نجمة داود
بالمصادفة البحتة وقعت عيناي على فيلم روائي جرى وصفه بأنه «أول فيلم رعب مصري مستقل»، وكدت أن أتجاوزه لفرط ما استفزتني العبارة، غير أن الفضول دفعني للوقوف على العلاقة بين «نجمة داود» والفيلم، وكانت «أم المفاجآت» أن الفيلم من تأليف وإخراج ومونتاج وتصوير وإضاءة وتصحيح ألوان أحمد صديق، الذي تولى أيضاً مسؤولية هندسة الصوت وتصميم وتنفيذ تتر البداية والنهاية، بالإضافة إلى المشاركة في الإنتاج عبر شركة «A.M فور ميديا}، ولا أدري لِمَ ترك مهمة تصميم وتنفيذ البوستر للفتاة نهى ناصر!!تخيل مخرج {نجمة داود} (55.47 دقيقة) أن إهداء فيلمه إلى ألفريد هيتشكوك (1899 – 1980) سيد أفلام الرعب والترقب والتشويق في السينما العالمية يكفي لمنحه جواز المرور إلى هذا العالم المثير والصعب، واكتفى بكتابة قصة هزيلة مفككة عن {سارة} - علا عادل - طالبة الفنون التشكيلية، التي لا يمكن وصفها سوى بأنها مختلة عقلياً تعاني أزمة نفسية بعدما فقدت والديها في حادث، ورغم أنها تعيش مع شقيقتها - سندريلا النادي - إلا أنها تُطارد بهلاوس وكوابيس قوامها {نجمة داود} التي تتوسط دائرة مرسومة بالدم، وفي مرحلة تالية تصبح ملاحقة، داخل الشقة وبشكل عبثي، من مسخ بشري في بزة سوداء وربطة عنق حمراء، ووسط غياب غير مفهوم لشقيقتها تستغيث بـ {كريم} - أحمد عفيفي - صديقها في الجامعة، الذي يحبها من طرف واحد، وينجح في فك طلاسم اللغز، ويكشف تورط زميلهما {خالد} - محمد عثمان – في ممارسة السحر الأسود، معتمداً على تعويذة محورها {نجمة داود}، سعياً وراء الكيد لهما بعدما مال قلب {سارة} إلى {كريم}، الذي يتقمص دور {المخبر كولمبو}، ويقبض على {خالد} متلبساً، وهو يمارس السحر على طريقة دجالي ومشعوذي السينما المصرية، حيث التعاويذ الغامضة، والسحر المكتوب (الحجاب أو التحويطة)، والشموع التي ترسم دائرة من الدم أقرب إلى تلك التي يتوسطها {عبدة الشيطان}، ويحتدم الصراع بينهما لكنه ينتهي بمقتل الخير ممثلاً في {كريم} على يد الشر مُجسداً في {خالد}، الذي يظفر، بعد عام من مقتل {كريم}، بالفتاة {سارة}، التي تنتقم منه بأن تبتاع {نجمة داود} وتمارس السحر الأسود!
القصة المفككة، والحبكة الغائبة، والرسالة الغامضة، بالإضافة إلى الأداء السيئ للوجوه الجديدة، لم تكن الأسباب الوحيدة التي عجلت بسقوط مخرج {نجمة داود} في فخ الضحالة والمراهقة الفنية، وارتياد عالم غير ملم بقواعده، فهناك الإنتاج الفقير الذي دمر التجربة بالكامل، فضلاً عن نرجسية المخرج، الذي آثر الإمساك بكل الخيوط في قبضته، معتمداً على نظرية One Man Unit، وكانت النتيجة أن افتقد الفيلم روح الجماعة أو الفريق الذي يحتاجه العمل الفني دائماً، وانهارت العناصر جميعاً، حيث استغلق الحوار على المتلقي، نتيجة التسجيل السيئ، وجاءت المؤثرات الصوتية ساذجة، على رأسها التوظيف المجاني لصوت {السارينة}، التي تستخدم عند التنبيه بالغارات الجوية، والإفراط في تحميل التجربة رسائل، ودلالات، سطحية كهجوم {سارة} على شقيقتها قائلة: {الحجاب مش حيخليكي أحسن مني}، والاعتماد على {نجمة داود} أو{السداسية} - hexagram - كأحد أهم وأقوى الرموز في علوم السحر والشعوذة، وجلب الحبيب وسحر الجماع، الأمر الذي يعوّد العين على القبول بها، والتعامل مع وجودها بوصفها أمراً واقعاً!المثير للدهشة أن المخرج أحمد صديق أوحى بأنه يملك بعض الإمكانات التي ضاعت في غمرة مجهوده الذي تفرق بين المهام الكثيرة التي أصر على القيام بها بنفسه، فاستخدام المرآة كوسيلة للعودة إلى الماضي، واسترجاع الذكريات، لم يُستغل بشكل جيد، و{تورتة} عيد الميلاد التي تتآكل شموعها مع صوت الصراخ والنحيب لقطة مبتكرة مرت مرور الكرام، والتمهيد بأن {كريم} مُصاب بالربو أسهم في إقناع المتفرج بأن {خالد} دس له المخدر في {البخاخة}، في حين كان الاجتهاد بالتصوير والإضاءة واضحاً، لكن الأماكن المحدودة (إحدى المدن الجديدة، جامعة خاصة، ملاهٍ، صالة جيم وشقة صغيرة) أدت إلى تضييق الخناق على كاتب السيناريو / المخرج، والمتفرج معاً، بالإضافة إلى كم الإزعاج الذي تسبب فيه شريط الصوت، وبالأخص رنة الهاتف المحمول للبطلة نفسها! المفارقة الأكثر إثارة أن المخرج أراد أن يبرئ نفسه من المسؤولية فاختار أن يُذيل تترات الفيلم بعبارة كتب فيها {نحن لا نملك حقوق الملكية الفكرية للـ Sound Tracks التي استخدمت في هذا الفيلم}، وكانت النتيجة أن تعرض الفيلم لما يُشبه المذبحة عند بثه عبر {يوتيوب}، وتم إزالة معظم الموسيقى والأغنيات الأجنبية، ما دفع المخرج إلى القول، عبر صفحة الفيلم: {أعتذر لكم عن القطع المفاجئ في بعض المشاهد، نظراً لأن موقع {يوتيوب} حذف بعض الموسيقى التصويرية حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية}!