الوضع السياسي في سورية حالياً في منتهى الصعوبة والتعقيد، وهذا يستدعي وقفة جادة من المجتمع الدولي، فلا يجوز التدخل الخارجي لأي دولة كانت، أما فيما يتعلق بفتاوى «الجهاد» التي تطلقها بعض المجاميع الدينية فإنها تعتبر خروجاً سافراً على السياستين الخارجية والدفاعية لدولها.
من دون الدخول في تفاصيل ما يجري في سورية حاليا، فإن المؤكد هو أن الشعب السوري قد ثار بشكل سلمي، قبل سنوات قليلة، على نظام استبدادي تحتكر فيه مجموعة قليلة السُلطة والثروة، ولكن البطش الدموي الذي مارسه النظام ضد المظاهرات السلمية أدى تدريجيا إلى قيام بعض فصائل المعارضة بحمل السلاح والمطالبة بإسقاط النظام. تطور الأمر بعد ذلك إلى حرب أهلية نتج عنها تدخلات إقليمية ودولية، حيث قامت بعض الدول بدعم مباشر سواء بالمال أو بالسلاح أو بالاثنين معا لميليشيات دينية فاشية ليست أقل سوءاً ودموية ورجعية وتخلفا من النظام القمعي الذي استغل الحرب الأهلية والوضع السياسي المتشابك والمُعقّد كي يدّعي، زورا وبهتانا، أمام العالم أنه يحارب القوى الإرهابية مثل "داعش" و"القاعدة" وإخوانهما، في حين هو في حقيقة الأمر مع "داعش" و"القاعدة" ومن لفّ لفهما يقفون في خانة واحدة ضد الثورة الشعبية التي ترفع مطالب الديمقراطية، والكرامة، والحرية، والعيش الكريم لكل الشعب السوري. الوضع السياسي في سورية حاليا في منتهى الصعوبة والتعقيد، وهو ما زاد من معاناة الشعب السوري، إذ غدت سورية ساحة صراع دموي شرس، وتنافس قوي بين قوى رأسمالية، بالذات أميركا وروسيا ووكلاؤهما الإقليميون والمحليون، وذلك من أجل تقاسم مناطق السيطرة والنفوذ في المنطقة، والتحكم في موازين القوى الاقتصادية والسياسية في العالم، خصوصا أن روسيا تحاول أن يكون لها موطئ قدم في الساحة الدولية بعد الأزمة الاقتصادية الرأسمالية البنيوية التي تعاني تبعاتها أميركا، أكثر من غيرها من الدول الرأسمالية، وهو ما بات يؤثر بشكل واضح على نفوذها وقوتها في العالم. والتدخل الروسي في سورية لا يختلف بأي شكل من الأشكال عن التدخل الأميركي (سواء في العراق أو في سورية)، فكلاهما ينتهكان السيادة الوطنية وينهبان الثروة القومية، ويدعمان إما النظام الاستبدادي وميليشياته أو ميليشيات أخرى دينية متطرفة، فضلا عن قتلهما للأبرياء والأطفال وإطالة أمد الحرب الأهلية. بعبارات أخرى، فإن تدخل روسيا وأميركا ليس من أجل مصلحة الشعب السوري ولا حباً في هذه الطائفة أو ذاك العرق، بل من أجل مصالحهما ونفوذهما.من هذا المنطلق، فإن المطلوب هو رفض أي تدخل خارجي في الشأن السوري مع التضامن الإنساني مع الشعب، ومطالبة المجتمع الدولي للقيام بمسؤولياته وحماية الشعب السوري من بطش النظام الاستبدادي الذي يرتكب مجازر ضد الإنسانية. أما فتاوى "الجهاد" في سورية التي تحث الشباب على المشاركة في الحرب الأهلية هناك ضد روسيا ولمصلحة أميركا كما حصل في أفغانستان، والتي يطلقها البعض تحت ذريعة محاربة روسيا "الكافرة" هي محض تدليس وتضليل للشباب غير الواعي، بل تكرار لمشاكل ما كان يُسمى "الأفعان العرب" ومآسيهم، فأميركا لا تختلف عن روسيا فكل منهما تدافع عن مصالحها ونفوذها في المنطقة.هذا من جانب، ومن الجانب الآخر فإن دعوة "الجهاد" التي تطلقها بعض المجاميع الدينية تعتبر خروجا سافرا على السياستين الخارجية والدفاعية لدولهم، حيث إنهم ينصبون أنفسهم وكأنهم دولة داخل الدولة لها الحق في إعلان الحرب متى ما شاءت، ناهيكم عن أن ذلك يعتبر إخلالا بالأمن والسلم الداخليين؛ لأن الدعوة تنطلق بالأساس من منطلقات طائفية.
مقالات
عن فتاوى «الجهاد» في سورية
07-10-2015