أيام لها تاريخ

Ad

في هذا اليوم تتخضب أرض العراق بدماء الشهداء من أبنائها وبناتها وأطفالها وشيوخها، وطمي العراق الحبيب يتلون بلون الدم، وشعب العراق الحبيب يتعرض لأبشع غزو من جيش ما يسمى بـ«داعش»، الذي يجتاح الأرض ويقتل كل من يصادفه في نجوع وقرى العراق.

ويصادف اليوم من ربع قرن كذلك ذكرى أليمة لكل كويتي، ولكل عراقي، بل لكل عربي، وللضمير الإنساني كله، اليوم الذي جرد فيه صدام حسين، الحاكم بأمره في العراق جيشه القوي ليغزو به جارا وحليفا وشقيقا، وليستبيح فيه الدم العربي والتراب العربي.

إنه يوم في تاريخ الكويت، وفي تاريخ العراق بل في تاريخ الأمة العربية لا يجوز أن تطويه صفحات النسيان التي تطويها الأمم خلف ظهورها، وكأن شيئا لم يكن، فالدروس المستفادة من هذا اليوم، هي أكبر بكثير من أن تطويها صفحة النسيان، لكل من الشعبين الكويتي والعراقي ولكل الشعوب.

إفرازات العدوان العراقي

اللهم لا شماتة بل عبرة وتذكير، ذلك أنه ليست المصادفة وحدها التي تجمع بين هذه الذكرى الأليمة وبين زمن الهوان الذي تعيشه الأمة العربية الآن، الزمن الذي تتعرض فيه الأمة العربية كلها للتقسيم إلى دويلات، وتتعرض فيه دول عربية لغزو لم يسبق له مثيل، يجتمع فيه المغامرون من شتى أنحاء العالم والمتطرفون المصابون بأمراض نفسية تدفعهم إلى عمليات انتحارية، يأسا من الحياة وطمعا في الجنة التي وعدوا بها في جيش ما يسمى بـ«داعش».

 بل يجمع بين النكبتين، نكبة الأمة العربية في حاكم عربي، عرض بلده بهذا العدوان في التاسع من أغسطس سنة 1990 إلى الدمار والخراب وأجهض حلم الأمة العربية في الوحدة، ونكبة الأمة العربية والإسلامية فيما تتعرضان له الآن من عدوان ما يسمى بـ«داعش»، وهي نكبة من إفرازات نكبة 1990، وغيرها من نكبات سبقتها، في الأندلس وفي فترة الاحتلال الأجنبي للدول العربية والإسلامية، الذي لم يكن يختلف عنه احتلال الدولة العثمانية لبعض البلاد العربية إلا في أن هذا الاحتلال الأخير قد تدثر بعباءة الخلافة الاسلامية، مثلما يتدثر «داعش» الآن بالسعي إلى إقامة دولة الخلافة الإسلامية، ونكبة فلسطين، ونكبة القاعدة وأحداث الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001، بل يجمع بين هذه النكبات جميعا أن ما تتعرض له الأمة العربية والإسلامية من هوان وضعف وتقسيم هو من إفرازات هذه النكبات.

7 ديسمبر 2002

وكانت قناة الجزيرة، قد هللت لصدام حسين، في برنامجها الاتجاه المعاكس، لما أسماه الرئيس العراقي وقتئذ صدام حسين اعتذارا، سوده بكلمات تحفل بالغرور والمكابرة، بل التعاظم حتى على المولى عز وجل حين يقول وبالحرف الواحد «وعلى هذا الأساس فإننا نعتذر إلى الله من أي فعل يغضبه سبحانه إن كان وقع في الماضي مما لا نعرف به ويحسب على مسؤوليتنا ونعتذر لكم على هذا الأساس أيضا».

وفي تبرير صدام لهذا العدوان، بعد اثني عشر عاما من عدوانه يقول فيما أسماه اعتذارا، أنه لولا جيش العراق لاحتل الأجنبي الكويت قبل الثاني من أغسطس سنة 1990، ويعتبر في هذا الاعتذار العدوان على الكويت سوى أحداث تسارعت، وكان لها مبررها، أما معركة تحرير الكويت وما تلاها فقد أطلق عليها العدوان على العراق.

يومها اعتبر فيصل القاسم مقدم هذا البرنامج، بأن يوم السابع من ديسمبر، وهو اليوم الذي صدر فيه، يوم تاريخي، كما قرر أن اعتذار صدام حسين هو أول اعتذار رسمي عالمي لقائد عربي كبير، وأن الاعتذار مهما بدا مواربا أو غير مباشر يدشن انقلابا معرفيا غير مسبوق في الذهنية العربية، ففي التاريخ العربي علمنا أن العربي لا يخطئ أبداً، فهو فوق الاعتذار، وأن الرئيس العراقي مارس بهذا الاعتذار نوعا جديدا من البراغماتية السياسية اخترق به المعصومية العربية.

وقد أضاف فيصل القاسم إلى الكوميديا الساخرة التي أطلقها حول هذا الاعتذار مع اعتذارنا إلى مؤلف الكوميديا الساخرة أوسكار وايلد، سؤالا طرحه دون استحياء هو: أليس حرياً بالكويت نفسها أن تعتذر من الشعب العراقي؟

غياب الديمقراطية

إنها إفرازات غياب الديمقراطية والشفافية عن وطننا العربي وعن إعلامه الذي يصنع الأمجاد لحكامه، لنصل إلى ما نحن فيه الآن من هوان وضعف.

وقد كانت الكويت عصية على أن يبتلعها طاغية العراق بفضل الحكم الديمقراطي الذي يقوم عليه نظام الحكم في الكويت، والحريات التي يعيشها شعب الكويت، حرية الرأي والنقد وحق التعبير عنه وحرية الصحافة، وقد أثبت الشعب الكويتي في هذه المحنة التي لم تدم طويلا، أن تراب الكويت المقدس هو أعز عليها وعلى شعبها من النفط ومن أي ثروة، وأن إنسانها كان مثلا للصمود أمام العدوان العراقي الغاشم.

ولقد تحررت الكويت بفضل هذا الصمود، وبفضل تضامن المجتمع الدولي، للمكانة الدولية التي احتلتها بعطائها المستمر لهذا المجتمع، وباحترامها لحقوق الإنسان على أرضها وبالشرعية التي يتمتع بها نظامها، وبالنظام الديمقراطي الذي يظلها، وبروح الأسرة التي تربط بين أبناء هذا الوطن عبر القرون حكاما ومحكومين، فالتفّ الشعب حول حكومته في الطائف أثناء الاحتلال العراقي لوطنه، بإجماع لم يسبق له نظير في أي بلد آخر داسته أقدام المحتل بالكيفية التي تم بها في الثاني من أغسطس سنة 1990.

ويعود العراق إلى شعبه الأصيل

أما عندما عاد العراق إلى شعبه الأصيل بعد رحيل الطاغية، فإن هذا الشعب لم يستوعب الدروس المستفادة من المحنة التي عاناها طوال حكم الطاغية بسبب التناحر الطائفي والقبلي والفئوي، وقد أصبحت على شفا حفرة من التقسيم إلى دويلات، وحرب أهلية توشك أن تستعر أوارها، بل قد أوشكت بالفعل، و«داعش» الذي يحتل جزءا من هذه الأرض الطيبة، ينحر فيه الأبرياء، ويدوس فيه على كل المقدسات.

أن استعادة صفحة الماضي، ولو كانت مؤلمة وحزينة ومؤسفة، وعدم طيها في صفحات النسيان كانت تملى على شعب العراق أن يوحد صفوفه خلف مؤسساته الدستورية فالوطن هو الباقي والأشخاص زائلون.