العناصر والقوى المدنيّة الديمقراطية والتقدمية العابرة للهويات الفرعية والساعية إلى تحقيق الإصلاح السياسي والديمقراطي مطالبة بفتح قنوات تواصل شعبية؛ من أجل رفع الوعي العام، والإنصات أكثر إلى آراء عامة الناس وهمومهم، ثم البحث عن حلول عملية وواقعية لمشاكلهم المعيشية والدفاع عن مصالحهم وقضاياهم الوطنية المشتركة.

Ad

تطرقنا في المقال السابق إلى أهمية إصلاح عدم توازن المؤسسات الدستورية، ومصادرة المجال العام لأهمية ذلك في تماسك الجبهة الداخلية، والقضاء على الاستقطابات الطائفية والفئوية الحادة الموجودة حاليا، وذلك من أجل مواجهة التحديات والأخطار الخارجية، وهذ يتطلب مبادرة سياسية من السُلطة تنهي الاحتقان السياسي وتعيد الصراع إلى قنواته الطبيعية الملتزمة بالقواعد الدستورية، ثم توحّد الشعب حول مشروع الدولة المدنية الديمقراطية العادلة.

والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن الآن هو: ما المطلوب من العناصر والمجاميع السياسية باختلاف تلاوينها، وبالذات صاحبة المصلحة في التغيير والتقدم الاجتماعي، وهي القوى المدنيّة الديمقراطية؟ السؤال بصيغة أخرى: هل المطلوب وضع يد على يد بانتظار مبادرة سياسية من السُلطة قد يطول انتظارها أو قد لا تأتي أبداً؟ كلا بالطبع، فالمطلوب من القوى المتلزمة بالدولة المدنية الديمقراطية أن تبدأ بتوحيد صفوفها حول برنامج وطني ديمقراطي بنقاط محددة وواضحة، ثم تقوم بطرح مشروعها السياسي النهضوي المنطلق من الأسس والقواعد الدستورية على الناس كي يتبنوه ويدافعوا عنه، والذي من المؤكد أنه يختلف اختلافاً كلياً عن مشروع قوى الإسلام السياسي ومناصريها الذين يعتبرون الديمقراطية مجرد آلية وصول للسلطة من أجل احتكارها، بل يطرح بعض أطرافها وعناصرها مشروع دستور جديد يستهدف إقامة دولة غير مدنية كاملة الدسم.

هذا من جانب، ومن الجانب الآخر فإن العناصر والقوى المدنيّة الديمقراطية والتقدمية العابرة للهويات الفرعية والساعية إلى تحقيق الإصلاح السياسي والديمقراطي مطالبة بفتح قنوات تواصل شعبية من أجل رفع الوعي العام والإنصات أكثر إلى آراء عامة الناس وهمومهم، ثم البحث عن حلول عملية وواقعية لمشاكلهم المعيشية والدفاع عن مصالحهم وقضاياهم الوطنية المشتركة، بدلا من ترك المجال للمجاميع الطائفية والفئوية التي تشغل الناس على الدوام في قضايا هامشية وعبثية تزيد من حدة الاستقطابات الطائفية والفئوية، وتعمل على تفتيت النسيج الاجتماعي الوطني.

 وهذا الأمر يتطلب أن تدافع القوى الديمقراطية والتقدمية عن قضية العدالة الاجتماعية باعتبارها ضرورة للسلام الاجتماعي وتماسك الجبهة الداخلية، ويكون لها مواقف واضحة وصريحة ضد السياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي تتجه الحكومة كما جاء في "خطتها" إلى تبنيها، ومن ضمنها الخصخصة الشاملة، وزيادة الرسوم على الخدمات، وتخفيض الدعم الاجتماعي، وتقليص دور الدولة في النشاط الاقتصادي، وتهميش دور القطاع التعاوني (الجمعيات التعاونية)، فضلا عن تحميل عامة الناس أعباء عجز الميزانية العامة للدولة الذي لم يتسببوا به؛ لأنهم لم يشاركوا مشاركة حقيقية في إدارة المالية العامة، وهي سياسات اقتصادية منحازة اجتماعياً ضد الفئات الشعبية ومتوسطة الدخل ولا تراعي طبيعة اقتصادنا الريعي، وطبيعة القطاع الخاص المحلي أيضا لأنه قطاع غير إنتاجي وضعيف يعتمد على الإنفاق العام، ويطالب بتدخل الحكومة لإنقاذه كلما واجه مشكلة مالية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك الآن محفظتان ملياريتان واحدة لإنقاذ القطاع العقاري، والأخرى لإنقاذ شركات خاصة تضارب في سوق الأوراق المالية (البورصة).