ربما اعتقد البعض أن ما قاله وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري، قبل أيام، عن روسيا ودورها في العراق، والتأكيد أكثر من مرة أنه لم يطلب منها "أحد" أن تتحدث باسم بلده، وأن بغداد لا يمكن أن ترتبط بحلف عسكري معها، كان من قبيل إرضاء الأميركيين الذين "يغيظهم" أن يتصرف الروس بهذه الطريقة، وأن يبرزوا في المشهد الدولي وكأنهم أوصياء على بلاد الرافدين، أو كأنهم الناطقون باسمها!

Ad

وحقيقة أن هذا الانطباع غير صحيح على الإطلاق، بل إن بعض كبار المسؤولين العراقيين يتقصدون الإساءة للولايات المتحدة مجاملة لإيران، وتجسيداً لتبعيتهم لها في كل شيء، وذلك مع أن المعروف أنه لولا الاحتلال الأميركي للعراق في عام 2003 وإسقاط صدام حسين، لكانوا الآن - في أفضل الأحوال - يواصلون حياة اللجوء السياسي، وغير معروفين حتى لأبناء مناطقهم، وبالطبع ولا للإعلام العالمي ولا لغالبية أبناء الشعب العراقي الذي استمرت الهيمنة "البعثية" عليه أكثر من خمسة وثلاثين عاماً كانت أعوام قهرٍ واضطهاد واستبداد!

الآن يوجد الأميركيون في العراق بالطول والعرض، فهناك قوات أميركية في الرمادي وفي أماكن أخرى كثيرة من الأراضي العراقية، وهذا إضافة إلى الخبراء وإلى سلاح الجو وجسر المساعدات العسكرية الذي لم يتوقف منذ عام 2003 ولا لحظة واحدة، مما يعني أن د. الجعفري لا يستطيع، حتى وإن هو أراد هذا، أن يرفع عينه في وجه أي مسؤول أميركي حتى وإن كان من الدرجة العاشرة.

وهكذا، فإن المؤكد أن هذا الهجوم الكاسح الذي شنه الجعفري ضد روسيا، ومن دون أي مقدمات، لم يكن لحساب الأميركيين، بل لحساب إيران التي يبدو أن "تحالفها" مع الروس قد انتهى إلى مفترق طرق، وأن السبب هو أن بوتين أصبح يلعب لعبته في سورية من دون التنسيق مع الولي الفقيه، بل من دون استشارته أو علمه.

والدليل هو أن ناطقاً رسمياً روسياً بادر بسرعة إلى نفي "بلاغ" إيراني تحدث عن زيارة قام بها جنرال فيلق القدس التابع للحرس الثوري، قاسم سليماني في الآونة الأخيرة إلى موسكو، وهذا في حقيقة الأمر يدل على أن الطرق بين طهران والعاصمة الروسية لم تعد سالكة وآمنة، كما كانت خلال الفترة منذ عام 2011، وأن الموقف الروسي غدا يختلف عن الموقف الإيراني بالنسبة إلى الحلول المطروحة والمقترحة للأزمة السورية.

 ربما لاحظ كثيرون أن الرئيس الروسي استقبل وزير الخارجية الأميركي جون كيري في آخر زيارة عمل له إلى موسكو بود غير مسبوق، وأن موافقة بوتين على اجتماع اليوم في نيويورك، المتعلق بالأزمة السورية، تعني أن الروس لم يعودوا بحاجة إلى إيران، بل تعني أنهم، أي الروس، غدوا يشعرون بأن الإيرانيين أصبحوا يشكلون عبئاً ثقيلاً عليهم وعلى مخططاتهم وسياساتهم في هذه المنطقة المهمة جداً، وأن الأفضل لهم أن يفكوا ارتباطهم بدولة غير مستقرة وبقيادة تخبط خبط عشواء، ويضعوا بيضهم كله في السلة الأميركية.