6/6 : السعودية دولة المركز
في وقت واحد استقبلت الرياض القمة الخليجية الـ٣٦ ومؤتمر قوى المعارضة السورية وتجمعاً للفصائل اليمنية المناهضة للانقلاب الحوثي، هذا فضلاً عن تزاحم شديد في تحركات وفود غربية وشرقية ومسؤولين أمميين، للتباحث مع صناع القرار السعوديين سياسياً واقتصادياً واستراتيجياً حول شؤون المنطقة والعالم.قراءة هذا الوضع تؤكد محورية المملكة العربية السعودية وأهمية دورها كمركز في صياغة الواقع السياسي لمنطقة الخليج ورسم ملامح المستقبل، وكذلك أهمية مشاركتها في البناء السياسي في العالم العربي ومتغيراته الاستراتيجية المتوالية يوماً بعد يوم منذ اندلاع أحداث ما سمي بـ"الربيع العربي"، الذي تحول بواقع الحال إلى "جحيم عربي".
اللافت في الوضع السعودي الداخلي، أشكال من الانفراج النسبي اجتماعياً، حيث يتكثف الوجود النسائي العائلي في الفنادق والمولات والطرقات بلباس غير تقليدي، وكان لافتاً حضور عدد كبير من عضوات مجلس الشورى وعدد من السيدات السعوديات فعاليات افتتاح واختتام القمة الخليجية، والأهم مشاركتها التاريخية للمرّة الأولى في الانتخابات البلدية ترشحاً وانتخاباً وإن كان من "خلف حجاب"، حيث ينكسر بقوة حاجز عزل المرأة في المجتمع السعودي إلى غير رجعة. هذا على الرغم من استمرار حرمانها من قيادة السيارة، والسفر إلا برفقة محرم، وعدم تمتعها ببطاقة مدنية مستقلة عن البطاقة المدنية العائلية لقضاء حاجاتها.واللافت أيضاً تصاعد الانفراج في الحراك الفكري والثقافي داخل المملكة بين أوساط النخب العالية الثقافة والاطلاع التي يتوافر عليها المكون الثقافي السعودي، بمفكريه وشعرائه وأدبائه وسياسييه واقتصادييه ونجومه الإعلامية والصحافية والفنية.هذا الأمر ليس بالجديد أو الغريب على المملكة العربية السعودية التي استطاعت تحقيق معادلة مدهشة بين كونها منبع المحافظة والتزّمت ومركز الفكر الديني المتشدّد، وهي بلاد تنعدم فيها المسارح ودور السينما! إلا أنها أثرت الساحة العربية بفنون مزدهرة، وأنتجت عمالقة الشعر والأدب ونجوم الإعلام والكتابة الصحافية والغناء والتمثيل والرياضة، وتمكنت منذ مطلع التسعينيات من إنشاء وتمويل منافذ الإعلام والصحافة ومراكز ومؤسسات الفكر والثقافة، وذلك خارج المملكة بما سمي بـ"الإعلام المهاجر" على أيدي قامات كبيرة من المبادرين أمثال الناشرين هشام ومحمد علي حافظ، وأبناء الملك سلمان في "الشرق الأوسط"، والأمير خالد الفيصل في "مؤسسة الفكر العربي"، وأبناء الأمير سلطان في "الحياة"، والشيخ صالح كامل في "إي آر تي"، والشيخ وليد الإبراهيم في "أم بي سي"، والأمير الوليد بن طلال في "روتانا"، وأبناء الأمير خالد بن عبدالله بن عبدالرحمن في "أوربت". فتحت تلك المنافذ آفاقاً غير محدودة للحراك العربي الفكري والثقافي والسياسي أمام الإنسان العربي للتعبير عن آرائه ومعتقداته وكذلك للأدباء والفنانين العرب لتكثيف إنتاجهم ونشر فنونهم وإبداعاتهم.يضاف إلى ذلك ثراء الساحة الفكرية المحلية بمراكز البحوث والدراسات ومنتديات الرأي و"العصف الذهني" المنتشرة في المملكة، وأبرزها منتدى "أسبار" الذي يرأسه ويديره أحد ألمع المثقفين السعوديين د. فهد الحارثي، وإثنينية عبدالمقصود خوجه، وثلوثية محمد سعيد طيب، وغيرها من المجالس الأدبية والثقافية والفكرية.في صالون زخر بنخبة من المثقفين والإعلاميين والكتّاب السعوديين وضمّني معهم في منزل الصديق الدكتور فهد العرابي الحارثي، الذي أدار حواراً شائقاً وجريئاً ومتباين الآراء بسقف عالٍ لا يخلو من الاتزان حول عدة موضوعات داخلية وخارجية، اختتم الحضور جلستهم بالتوجه لي بالسؤال عن محبوبتهم الكويت وما يجري فيها وما ينتظرها من أحداث، ولم تغفل صراحة الحديث توجيه عتب محبين، بشأن ما يعتبرونه خذلاناً من جانبنا في إسناد التحالف العربي والخليجي الذي تقوده السعودية في عاصفة الحزم قطعاً للطريق أمام أطماع إيران وأعوانها في بسط نفوذها في المنطقة، وأن دورنا في المواجهة كان خجولاً ومنقوصاً، ولا يتناسب مع حجم الفزعة الخليجية لنا حينما حلّت بنا نائبة الغزو العراقي عام ١٩٩٠.لم يستمر الحوار في ذلك طويلاً لشعورهم بأني أشاطرهم المشاعر، وأنهم تيقّنوا من أننا في الكويت نشعر ونعلم أن المملكة هي مركز الثقل الخليجي، وما يمسها يمسنا، وأن دول الخليج هي الملجأ الأساسي لنا حين تدلَهِم من حولِنا الخطوبُ.وكان صمتُهم في معرض البيان بلاغةً.