إذا أخذت الحكومة بتوصيات «إرنست آند يونغ» وقامت بتنفيذها كاملة، فإن السؤال المكرر هو أين ستذهب الإيرادات الجديدة؟! في ظل الوضع الحالي فإن مصيرها سيكون مصير الفوائض المالية الفلكية التي تراكمت خلال ارتفاع أسعار النفط، حيث سيعاد تدويرها في الميزانية العامة للدولة كي تذهب مباشرة إلى جيوب كبار الأثرياء.

Ad

لم تكن توصيات المستشار المالي العالمي الجديد للحكومة، مجموعة "إرنست آند يونغ" التي نشرتها صحيفة (الراي 27 ديسمبر 2015) مفاجئة بالنسبة إلينا على الأقل، فقد ذكرنا في هذه الزاوية مراراً وتكراراً، أن الحكومة تتجه إلى تبني "روشتة" صندوق النقد الدولي الشهيرة، أي السياسات الاقتصادية النيوليبرالية المتوحشة مثل الخصخصة، وتحجيم دور الدولة في النشاط الاقتصادي، وإلغاء الدعم الاجتماعي أو تخفيضه، وزيادة الرسوم وفرض رسوم جديدة وضرائب غير مباشرة على الدخل (ضريبة القيمة المضافة)، وجميعها سياسات اقتصادية منحازة اجتماعياً لمصلحة كبار الأثرياء وضد مصالح الفئات الوسطى وطبقة الفقراء، إذ إنها تبحث في جيوبهم عن أي مبالغ من شأنها أن تعالج "مصيبة" انخفاض معدل نمو ثروات كبار الأغنياء! وتُحمّل المواطنين، بالرغم من أنهم الضحايا، تبعات الأزمة الاقتصادية والمالية في حين تتجاهل أسبابها الجذرية، فتكون نتيجتها الحتمية الإفقار والبطالة، واتساع الفوارق الطبقية، وغياب العدالة الاجتماعية، وبالتالي عدم الاستقرار الاجتماعي-السياسي.

 لقد تبنت خطة الحكومة المُسماة "خطة التنمية" السياسات الاقتصادية النيوليبرالية المتوحشة في حين تجاهلت الأسباب الجذرية للاختلالات الهيكلية التي يعانيها الاقتصاد الوطني والمالية العامة للدولة، بل تجاهلت سوء الإدارة العامة وفسادها، وطبيعة القطاع الخاص المحلي الذي يعتاش بشكل شبه كامل على الإنفاق الحكومي والتسهيلات، إلى درجة أن الحكومة تدفع الجزء الأكبر من رواتب موظفيه من المواطنين (ذكرت صحيفة القبس بتاريخ 28 ديسمبر 2015 أن الإنفاق الحكومي على دعم العمالة الوطنية في القطاع الخاص قد بلغ 542 مليون دينار في السنة المالية الحالية)، وما تقرير "إرنست آند يونغ" الذي أتى بناء على طلب الحكومة وتوجيهاتها إلا تفصيل فني يوضح كيفية تنفيذ خطتها المُعلنة.

والآن لنفترض أن توصيات مستشارها المالي العالمي "إرنست آند يونغ" كانت في محلها، وأن الحكومة ستقوم بتنفيذها كاملة، فإن السؤال المكرر هو أين ستذهب الإيرادات الجديدة؟! في ظل الوضع الحالي فإن مصيرها سيكون مصير الفوائض المالية الفلكية التي تراكمت خلال ارتفاع أسعار النفط، حيث سيعاد تدويرها في الميزانية العامة للدولة كي تذهب مباشرة إلى جيوب كبار الأثرياء ليزدادوا ثراءً، وذلك بسبب غياب المشاركة الشعبية الحقيقية في إدارة الثروة الوطنية، وتفشي الفساد السياسي، وبالتالي، الفساد المالي والإداري الذي تنشر بعض تفاصيله تقارير ديوان المحاسبة، علاوة على تعارض المصالح، والكسب غير المشروع، والاحتكار، وسياسات التنفيع المستمرة منذ عقود طويلة التي يعكسها نظام "الوكالات التجارية" و"البي أو تي" أو "حق الانتفاع" في الواجهة البحرية على طول امتدادها، والشويخ، والري، وجميع المناطق المسماة صناعية أو حرفية! ناهيكم عن الأموال العامة، ومن ضمنها الإيرادات الجديدة، التي ستلتهمها المناقصات المليارية التي يُفصّل بعضها بحسب مقاس المتنفذين، ثم يتم في ما بعد تقنين مخالفاتها القانونية حيث بلغت قيمة المناقصات العام الماضي أرقاما تاريخية، بالرغم من عجز الميزانية العامة للدولة، وتهديد الحكومة بانتهاء دولة الرفاهية، وأنها في صدد تبني سياسات اقتصادية نيوليبرالية متوحشة تحت مُسمّى "الترشيد" تشمل إلغاء الدعم الاجتماعي أو تخفيضه، ورفع الرسوم الحالية أو فرض رسوم جديدة، وهو ما نص عليه التقرير مدفوع الثمن من المال العام الذي قدمه مستشارها المالي العالمي "إرنست آند يونغ"، فهل سيتقبل الشعب سياسة الحكومة وتوجهها الاقتصادي النيوليبرالي المُسمّى "الترشيد"، أم سيرفضهما ويطالب بإصلاح سياسي ديمقراطي وبدائل اقتصادية إنسانية وعادلة؟!