أمنتم تل أبيب... فانتقلت الحرب إلى باريس!
لا يمكن تبرير الإرهاب بأي شكل من الأشكال، أو التخفيف من وزره تحت أي ظرف من الظروف، فما حدث في باريس مساء الجمعة عمل إرهابي فظيع يجب إدانته والتضامن مع الشعب الفرنسي في مصابه ودعم جهوده، للقبض على جميع المتورطين فيه ومحاسبتهم، ولا شك في أن أكبر الخاسرين من هذه الجريمة الإرهابية، بعد القتلى والمصابين، هم المسلمون والعرب الذين استخدم من قام بهذه الجريمة لغتهم ومعتقداتهم، وهللوا بعبارة "الله أكبر" وهم يقترفون جريمتهم النكراء.نعم الإرهاب يحتاج إلى مواجهته بالقوة والحزم، ولكن لا يمكن استبعاد العقل والتحليل والمعالجات الأخرى الأساسية، وبالطبع الجزء الثاني سيرفض أن يسمعه الأوروبي والأميركي أو سيكيفه كما يشتهي ويريد، وهنا عليهم أن يفهموا أنهم يتعاملون مع الشرق أو قلب العالم، أي العالم العربي، الذي انطلقت منه الحضارات والديانات وأثر في العالم وغيره طوال آلاف السنين، ومهما كانت قوتكم وإمكاناتكم وقدرتكم على فرض إرادتكم عليه فإنها غالباً ما تكون لفترات مؤقتة يكون لها أكلاف باهظة عليكم لاحقاً.
ودون الإطالة في التاريخ وصيرورته وتفاعلاته، فإن ما حدث في باريس هو نتيجة لعب الأوروبيين والأميركيين على كل المتناقضات في المنطقة، زرعتم إسرائيل، وباريس في الخمسينيات أمدتها بالسلاح النووي حتى تتنمر وترفض كل التسويات وتحتل الأرض، ثم تتساءلون لماذا يصبح شاب فرنسي من أصل عربي أو مسلم متطرفاً بعد أن يشاهد جندياً إسرائيلياً يقتل طفلاً فلسطينياً بدم بارد ثم يهدم بيته لينشئ مستوطنة إسرائيلية، كما عبثتم بالأصولية الإسلامية مع أنظمة استبدادية لمواجهة الاتحاد السوفياتي أثناء الحرب الباردة، ورفضتم أن تدعموا جدياً الحركات الديمقراطية والمدنية في العالم العربي حتى اندثرت وانقرضت. وكان الأخطر مؤخراً هو تجاهلكم –الأوروبيين وأميركا- مدة ثلاث سنوات (2011-2014) ما كان يفعله نظام بشار الأسد في سورية ضد شعبه مع إيران والميليشيات اللبنانية والعراقية من جرائم بشعة، حتى ظهور داعش في نهاية 2013، وعندما استخدم الأسد السلاح الكيماوي في الغوطة وقفتم مكتوفي الأيدي بعد أن تراجعت الإدارة الأميركية وبريطانيا تحت الضغط الإسرائيلي عن عقاب نظام الأسد، والاكتفاء بصفقة تدمير أسلحته الكيماوية لضمان أمن تل أبيب، وبقاء الأسد منزوع المخالب ليدمر سورية وشعبها لمصلحة تلاشي أي تهديد جدي للكيان العبري، وعندما شعر الأسد بهزائمه ابتكر الثلاثي (سليماني - المالكي - الأسد) حركة داعش عبر الهروب أو التهريب الكبير لقيادات القاعدة من سجن أبوغريب والتاجي وعمليات العفو المتكررة في سورية عن عتاة الإرهاب الأصولي، ودفعهم باتجاه محافظة الرقة والموصل، وكل ذلك ليحرف التركيز الدولي عن جرائمه باتجاه ما يسمى بالدولة الإسلامية (داعش) بعد أن انتهى تنظيم القاعدة وأصبح جماعات متناثرة بلا فاعلية في اليمن والصومال، وليطالب العالم ببقاء الأسد لأن البديل هو البعبع الذي اختلقوه داخل الأراضي الفالتة السورية، وبعد ذلك مسرحية الانسحاب وتسليم مدينة الموصل لتنظيم الدولة.لا أعتقد أن فرنسا والأوروبيين لا يعلمون كل تلك الحقائق، ولكنهم تتملكهم العنجهية والعناد، فإسرائيل بالنسبة لهم مصالحها متقدمة عندهم رغم كلفتها الباهظة عليهم وقراراتها الخاصة بمصالحها وأمنها نافذة حتى لو أضرتهم، ولا أفهم كيف تسير فرنسا مع واشنطن في هذا الركب، ففرنسا لديها بوجود خمسة ملايين مسلم وعربي على أراضيها واقع مختلف، فمعظمهم من أبناء الجيل الثالث لآباء من المغرب العربي حاربوا لتحرير فرنسا من النازية، وقدموا أكبر التضحيات في سبيل ذلك، ومقابرهم منتشرة على التراب الفرنسي (مقابر الجنود المسلمين خلال الحرب العالمية الثانية)، وأبناء المغرب العربي الآخرون عمروا فرنسا بعد الحرب، وبعضهم شارك في صنع مجد فرنسا، مثل زيدان وعشرات الأدباء والمبدعين من أصول عربية مسلمة، فهل ستضع باريس أربعة آلاف مسلم مشتبه فيهم في الإقامة الجبرية أم ستنشئ معسكرات اعتقال لمواطنيها المسلمين والعرب؟! خاصة أن من يقومون بتلك الأعمال الإرهابية ليسوا من حملة تأشيرة شينغن أو يعيشون في دول أوروبية مجاورة بل هم مواطنون فرنسيون.اللعب على المتناقضات خطير وكذلك التهميش والتمييز، فلا يمكن أن تضمن ردة فعل شاب فرنسي مسلم في باريس أو مارسيليا أو نانت يرى قصف البراميل للمدن السورية، وقتل الأطفال في الخليل، فتكون ردة فعله الانجذاب إلى خطاب إرهابي خاصة بعد أن يعلن العالم المتحضر أنه لن يسمح لدكتاتور أن يستخدم سلاحاً كيماوياً ضد شعبه، ثم يتراجع ويصمت عن المجازر والوحشية التي تمارس هناك، بالتأكيد الإرهاب ليس هو الرد المناسب على ذلك، ولكن في هذه الفوضى التي تخلقها قوى عالمية وإقليمية كل الخيوط تتشابك وتلعب الأيادي في الخفاء، وعلينا أن نحدد من المستفيد حتى نعلم من هو اللاعب؟... وبالتأكيد كل مسلم وعربي هو الخاسر الأكبر وكذلك هناك خاسرون آخرون في أوروبا نتيجة تجاهلهم ما يحدث في سورية وفلسطين.