في ذكرى يوم الإخاء العالمي
لا بد من محاربة الفكر المتطرف والقضاء على منابعه، ويجب علينا تقبل تعدد الآراء والمعتقدات والتشجيع على الانفتاح وتقبل الآخر، لكن من كان فكره هو قتل كل من يختلف معه، فهو خطر على الناس والمجتمعات، ولذلك لا إخاء ولا انفتاح معه.
قبل أيام قليلة مرت علينا ذكرى يوم الإخاء العالمي، الذي من المفترض أن يصادفه أجواء تحث على التسامح والمحبة والانفتاح على الثقافات، لكن للأسف الشديد مرت هذه الذكرى بالتزامن مع أحداث باريس الإرهابية الدامية، التي تعكس حالة متزمتة ترجع لعقلية القرون الوسطى ومحاكم التفتيش حينما كان يمنع الاعتقاد بأي شيء ضد الكنيسة الكاثوليكية أو حتى نقد بعض خزعبلاتها، وهي فترة اتسمت بالجمود والتراجع ومعاناة العلماء وملاحقتهم مثل العالم الفلكي غاليليو، في حين كان العالم الإسلامي يزدهر بالأبحاث والعلوم، ويمكننا تخيل مراحل التقدم التي كانت البشرية ستصلها اليوم لو كانت أبواب البحث والحرية مفتوحة للعلماء في أوروبا في ذلك الوقت، وتكامل تلك الأبحاث مع أبحاث العالم الإسلامي. اليوم نعيش تلك الحالة نفسها لكن مع تبدل المواقع، حيث نعيش في العالم الإسلامي، وبالأخص العالم العربي، حالة غير عادية من التخلف والتراجع في الابتكار والبحث والإنتاج العلمي وخدمة البشرية بسبب الظلم والدكتاتورية، وتفشي الفكر التكفيري المتطرف بسبب توافر الأموال بالأيدي الخطأ، وهي الأيدي التي عملت على نشر وتمويل هذا الفكر الأحادي الانغلاقي في مختلف أنحاء العالم. وللأسف، فإن أوروبا التي تشكو اليوم من إرهاب هذا الفكر، كان لها يد في نشره عبر تسهيل إنشاء المراكز التي تبثه في دولها، ومحاولتها كسب ود الدول الحاملة لهذه العقلية المتزمتة طمعا في تحصيل العقود المليارية في مجالات التسليح والبنى التحتية والصناعات المختلفة.والخطأ الذي ترتكبه أوروبا اليوم مجددا هو محاولتها محاربة هذا التطرف عبر ملاحقة العناصر المتبنية له في دولها دون مواجهة أصل منابع التطرف والقضاء عليه، وهو أمر لن يجدي نفعا، لأن منبع هذا الفكر الإرهابي سيظل ينتج المزيد والمزيد من المتطرفين الذين يظنون أن قتل كل من يختلف معهم في الرأي سيوصلهم إلى الجنة. والخطأ الآخر الذي كرره الغرب هذه المرة هو محاولته استخدام هؤلاء المجانين من جديد في حرب تصفية الحسابات الإقليمية دون تذكر نتائج مثل هذه السياسة الغبية في الثمانينيات عندما تم دعم ما يسمى بالجهاد في أفغانستان ضد السوفيات، فساهم هذا الدعم في انهيار الاتحاد السوفياتي، لكنه أنتج تنظيم القاعدة ومن ثم طالبان! فمنذ 4 سنوات وهؤلاء المجانين يأتون من كل حدب وصوب لتركيا، ومن ثم يتم تهريبهم إلى سورية، وتدفع لهم الأموال من أجل تدمير ذلك البلد، وإذا بهذه الجماعات تتخذ سورية والعراق مركزا لها لتصدير الإرهاب لأوروبا ودول أخرى، فصار ينطبق عليها مقولة المناضل الأميركي المعروف مالكم إكس عندما علق على اغتيال الرئيس كنيدي بقوله: الدجاج رجع للحظيرة.وفي ذكرى يوم الإخاء العالمي نقول إنه تجب محاربة هذا الفكر المتطرف والقضاء على منابعه. نعم يجب علينا تقبل تعدد الآراء والمعتقدات والتشجيع على الانفتاح وتقبل الآخر، لكن من كان فكره هو قتل كل من يختلف معه، فهو خطر على الناس والمجتمعات، ولذلك لا إخاء ولا انفتاح معه. ونتمنى أن تعي شعوب العالم، وبالأخص شعوب أوروبا هذا الأمر، وأن تضغط على سياسييها وأحزابها وتجبرهم على معالجة أصل مشكلة التطرف لا قشورها حتى لا تبتلى بمزيد من الإرهاب الذي ذاقوا بعضه في حين تعيش شعوب منطقتنا معه وتتجرع مرارته وآثاره الكارثية يوميا.