لي صديقٌ أجتمع معه في العام مرة، كان من أوائل من انتبه الى صعود اليابان ثم هبوطها، ولاحظ الفرص المتاحة في الصين بعد وفاة زعيمها ماو، ونهاية الاقتصاد القيادي الصاعد في روسيا، والتقييمات غير الواقعية لأسهم قطاع التقنية نهايةَ القرن الماضي. وقد تحدثت إلى ذلك الصديق هاتفياً الشهر الماضي، وكان مما قاله لي:

Ad

- تنوء معظم دول العالم بعبء الديون، ونتيجةً لذلك، سيكون النمو بطيئاً في كل مكان تقريباً. أعلم أنك تعتقد أن المشكلة تكمن في عدم كفاية الطلب، لكن الدول الصناعية الكبرى تعاني  ارتفاع المديونية ولا ترغب في زيادتها أكثر من أجل تحفيز المستهلكين. وما أرى لذلك استثناءً إلا اليابان التي لديها أعلى نسبة للمديونية العامة إلى الناتج المحلي الإجمالي بين الدول العظمى، لكنها مع ذلك على استعداد لزيادة هذه الديون.

وعلى النقيض من ذلك نجد استثناءً آخر هو الصين. فهي وضع يسمح لها بتحمل المزيد من الديون بسبب انخفاض نسبة مديونيتها إلى الناتج المحلي الإجمالي، لكنها لا تفعل ذلك. ودون مزيد من التحفيز المالي، سيبقى الطلب خجولاً وسيكون النمو مخيباً للآمال. هذا هو حال العالم اليوم، وأنا أرجح استمرار هذا الوضع لبعض الوقت. ومع ذلك، فأنا لا أتوقع كارثة على المدى القريب، بل مجرد اقتصادات راكدة، وأسواق أسهم ضعيفة الأداء.

- ليس من السهل كسب المال في هذه الأيام. ففي الماضي، كان من الممكن للمؤسسات الاستثمارية تحقيق عائداتٍ مجزية إن هي وزعت أصولها بشكلٍ مناسب. أما اليوم فنجد معظم فئات الأصول تُتداول عند قيمها العادلة، بل أصبح سوق السندات باهظاً، ولا تكاد تجد أسهماً رخيصة في أي مكان.

ونرى كيف يسير الذهب في طريق مسدود، لكنه يبقى أفضل حالاً من السلع الأخرى الآخذة في التراجع. كما فقدت الأسواق الناشئة جاذبيتها، وأصبحت الصين عالية المخاطر، بينما وصلت أسعار الأسهم في أوروبا واليابان إلى قيمتها الكاملة. وكما قلت في العام الماضي، فإن الطريقة الوحيدة لكسب عائدات جيدة هي الاستثمار الحذر في الابتكار، من خلال اختيار الأسهم بعناية في مجال التقنية والتقنية الحيوية، مع التشديد على هذه الأخيرة.

- ما يزال معظم الناس غير مدركين للآثار الهائلة المحتملة لهذه الظاهرة. فنحن على أعتاب ابتكارات ثورية كبرى في علاجات السرطان وأمراض القلب ومرض الزهايمر ومرض السكري والتصلب المتعدد وأمراض أخرى. ويمكن للاختيار الموفق للشركات أن يحقق عائدات رائعة في هذه البيئة الاستثمارية الصعبة عموماً، حيث توجد اليوم مئات الشركات الصغيرة التي تعمل على تطوير منتجات مهمة. ربما يفشل الكثير من تلك الشركات، لكن بعضها سوف يغير العالم، كما فعلت من قبل شركات غوغل وفيسبوك. ونجد معظم تلك الشركات في ولايتي كاليفورنيا وبوسطن، وبعضها في أوروبا وآسيا، لكن الولايات المتحدة تبقى هي المهيمنة.

ويتطلب الاختيار السليم بذل الوقت في استيعاب ما تحاول هذه الشركات فعله. وقد تكون مكافأة اختيار الشركات الفائزة مجزية جدا. وما هو أكثر من ذلك أننا نلاحظ تسارعاً في وتيرة الابتكارات. في المقابل، أعتقد أن عائدات التوزيع التقليدي للأصول ستكون متواضعة جداً.

- أنا أحب صناديق الاستثمار المدرجة التي تستثمر في قطاع التقنية الحيوية، وشركات فيسبوك وSalesforce.com، وطبعاً أبل، وفيزا، والشركات الصناعية مثل سي إس إندستريز، وعلي بابا، وبالو آلتو نتوركس. لكنني توقفت عن الاستثمار في غوغل.

- هناك مسألة أثر التقنية على الطبقة المتوسطة، حيث ألغت التقنية ملايين الوظائف من خلال الروبوتات وغيرها. وأصبح الحصول على عمل والمحافظة عليه يتطلب مستوى متصاعداً باستمرار من المهارات التقنية. ومع أن التوظيف مايزال ينمو في قطاع الخدمات، لكنّ الوظائف الصناعية أبطأ نمواً، كما أن الوظائف في قطاع الخدمات أقل أجراً بشكل عام.

ونرى اليوم كيف يعجز العديد من الشباب الذين أنهوا دراستهم الجامعية عن العثور على وظائف في مجال اختصاصهم ما يجبرهم على العمل في أي وظيفة مؤقتاً لتسديد فواتيرهم وقروضهم الطلابية. ومن المرجح أن تتفاقم هذه المشكلة مع ظهور مزيد من الابتكارات التقنية الثورية، وبالتالي فإن الآثار الاجتماعية لهذه الظاهرة قد تكون هائلة. وكذلك فإن التقدّم في مجال التقنية الحيوية له أيضاً انعكاسات اجتماعية، لأنه يطيل العمر المتوقع للإنسان.

وبالإضافة إلى ذلك، هناك مشكلة إضاعة الوقت. فالتسلية بالألعاب بدل مطالعة الكتب، والتواصل مع الآخرين عبر شبكات التواصل الاجتماعي، أصبحت تشغل معظم وقت الشباب. وتشير بعض المصادر إلى أن مستخدم «فيسبوك» العادي ينفق نحو عشرين ساعة في الشهر على ذلك الموقع. بينما تشير دراسات حديثة إلى أن الطالب الجامعي لا يمضي سوى ساعة واحدة مساءً في الدراسة لوحده، ربما بسبب كثرة المُلهيات والمشاغل الأخرى. وقد تنذر هذه الأرقام بخطر مستقبلي على القدرة التنافسية الأميركية، وهكذا نرى أن للثورة التقنية جوانب سلبية.

- عندما نعاين حال العالم، نجد المشاكل في كل مكان. فعلى الرغم من التوصل إلى حل أولي لأزمة اليونان، لكنني لست متفائلاً إزاء بقائها ضمن الاتحاد الأوربي على المدى الطويل.

- أمّا بالنسبة لإيران، فرأيي أن صفقةً ولو كانت أقل من مثالية تبقى أفضل من عدم الاتفاق. ومن المرجح أن تؤدي الصفقة إلى تدفق الاستثمارات إلى إيران، ومن المتوقع أن تكون العائدات مجزية.

- أصبح وضع اليابان اليوم مقبولاً بعد حزم التحفيز النقدي والمالي، لكنني لا أرى أيّ دلائل تشير إلى إمكانية النمو دون استمرار هذه السياسات. ونتيجةً لذلك، فإنها تبقى مهددة بخطر الانزلاق إلى الركود من جديد. وفيما يتعلق بالأسواق الناشئة المعتمدة على السلع الأساسية، فأنا أتوقع استمرار النمو البطيء. أما في المملكة المتحدة، فإن عبء الديون سيجعل تحقيق تحسن اقتصادي كبير أمراً مستبعداً. وأتوقع تحسّن النمو في فرنسا العام المقبل بسبب الانتخابات. وقد كنت في العام الماضي قلقاً من انحراف التوازن السياسي في أوروبا نحو اليمين المتطرف، لكنني اليوم أقل تخوفاً من ذلك.

- بالنظر إلى الأسواق المالية الأخرى في أنحاء العالم، نجد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يحرز تقدماً إيجابياً في بلاده، لكنّه تقدم بطيء بسبب البيروقراطية. كما تعمل الصين بصورة جادة لتعديل توازن اقتصادها ليصبح أكثر اعتماداً على المستهلك، وأبعد عن البنية التحتية والاستثمار في الشركات المملوكة للدولة، لكنها عملية طويلة وصعبة. ومن المرجح أن تصل الصين إلى هدفها لمعدل النمو بين 6.5 في المئة إلى 7 في المئة، لكنها لا بد أن تتحمل زيادة ديونها للوصول إلى ذلك الهدف، وهي، لحسن الحظ، في موقف مالي يساعدها على ذلك. أما النمو الحقيقي دون تحفيز مالي فهو أبطأ بكثير من ذلك المعدل، ولهذا ما أزال أشعر بالقلق إزاء سوق الأسهم الصينية. وأخيراً، فلا أرى داعياً للقلق كثيراً من سعي الصين لتوسيع مناطق نفوذها. ومع أن ذلك قد يصبح مشكلة على المدى الطويل، لكن القيادة الصينية الآن تركز أكثر على مكافحة الفساد والحفاظ على وتيرة النمو.

- بالنسبة للنفط، أعتقد أننا مررنا بأخفض مستوى يمكن أن تصل إليه الأسعار. وعلى الرغم من إدراكي لمخزونات النفط الضخمة وعودة منتجي النفط من الصخر الزيتي للإنتاج، فلا أرى هبوط سعر برميل برنت لما دون 55-65 دولاراً، إذ ان السعودية تبيع نحو مليون برميل يومياً فوق حصتها المعلنة من أجل لجم منتجي النفط الصخري، لكن الطلب يتزايد ببطء، ومعه ستواصل الأسعار صعودها ولو بشكل طفيف.

- بالنسبة للأصول الأخرى غير المالية، أعتقد أن أسعار العقارات السكنية سوف تصمد في الأماكن التي يكون فيها أداء قطاعات التمويل والتقنية جيداً، مثل نيويورك ولندن وبوسطن وسان فرانسيسكو. كما أننا نشهد أيضاً هجرة هائلة لرؤوس الأموال من آسيا إلى المناطق التي يُنظر إليها على أنها ملاذاتٌ خارجية آمنة للثروات الخاصة. وأنا أرجح استمرار تلك الهجرة، لكن حملة مكافحة الفساد في الصين قد تبطئ وتيرتها. وفيما يخص العقارات التجارية، تبدو الفرص الحقيقية في المناطق ذات الأداء الاقتصادي الضعيف مثل إسبانيا وإيطاليا.

- بالنسبة للقضايا الأخرى، أعتقد أن البنك الاحتياطي الفدرالي سيشدد سياسته النقدية في سبتمبر، لكن رفع أسعار الفائدة سيكون ضئيلاً ولن يتكرر في كل اجتماع. وعلى الرغم من الزيادة المتوقعة في أسعار الفائدة طويلة الأجل، فإنها تبقى منخفضةً مقارنةً بالمستويات التاريخية. من جانب آخر، مايزال الجميع ينتظرون حدوث تصحيح كبير في سوق الأسهم الأميركية، وعلى الرغم من أنها تبدو لي باهظة الثمن إلى حد ما، إلا أن الكثير من الأموال في العالم تبحث عن حيازات في الأسهم الأميركية، لذلك لا أعتقد أن المؤشرات ستنخفض كثيراً. كما أتوقع استمرار النشاط الكبير في عمليات الاندماج والاستحواذ، ما قد يساعد أسواق الأسهم.

- كانت هناك أوقاتٌ في الماضي لمس فيها صديقي وفرة في الفرص في كل مكان. أما الآن، فقد ركز اهتمامه على التقنية والتقنية الحيوية، لأنه يرى أن تفاقم الديون يؤدي إلى كبح النمو الاقتصادي في أنحاء العالم، ولا يعتقد أن هناك الكثير مما يمكن فعله حيال ذلك. وعلى الرغم من أن المخاطر في هذين القطاعين قد تكون أكثر من الفرص، فإنه يؤمن بإمكانية العثور على طرق لإنماء القيمة مهما كانت الظروف.

* بايرون واين ، نائب رئيس شركة بلاك ستون