ما زال حُكم المحكمة الدستورية، بإبطال مرسوم هيئة مكافحة الفساد، موضوعاً للتداول والتعليق في الصحافة المحلية والدواوين واللقاءات الاجتماعية.
فقد تناولها بالتعليق الكثير من كُتاب المقالات، منهم المستشار شفيق إمام في «الجريدة» (27/12/2015)، والمستشار عادل بطرس في «القبس» (28/12/2015)، والنائب محمد الدلال في شبكة التواصل، ود. محمد المقاطع في «القبس» (29/12/2015)، وسليمان العتيقي في صفحة كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط، هذا إلى جانب ما يُثار حول الأحكام في الدواوين واللقاءات الاجتماعية.أحكام المحكمة الدستورية منذ 2012 تناولت عدة قضايا، منها إبطال انتخابات مجلس 2 ديسمبر 2012، وتميَّزت بنهج جديد اختلف عن النهج السابق، وخصوصاً في ما يتعلق بما إذا كانت المراسيم بقوانين تخضع لرقابة المحكمة الدستورية في مواجهة رأي «الفتوى والتشريع»، القائل بأن تقدير حالة الضرورة بإصدار مراسيم لها قوة القانون أمر يعتبر من الأعمال السياسية التي لا تخضع للرقابة القضائية، وإن هذه التشريعات الاستثنائية والموجبات التي تقتضيها تعد شرطاً سياسياً متروكاً أصلاً لتقدير السلطة التشريعية، باعتبار أن المرسوم بقانون يجب أن يُعرض على مجلس الأمة، الذي من حقه أن يقرّه أو يرفضه، ويميل محمد المقاطع مع هذا الرأي، إلا أن المحكمة الدستورية رسخت قاعدة أن المراسيم بقوانين تخضع لرقابة المحكمة الدستورية التي تنظر مدى توافقها مع نصوص الدستور، وذلك درءاً لاستغلال الرخصة الاستثنائية وفق نص المادة 71 من الدستور، وكي لا تتغوَّل السلطة التنفيذية على صلاحيات السلطة التشريعية، كما أكدت المحكمة أن موافقة مجلس الأمة على المراسيم بقوانين لا يسبغ عليها الحصانة من الطعن عليها بعدم الدستورية، وبتأكيد المحكمة هذه القاعدة تكون قد تجاوزت ما كان معمولاً به في القضاء، باعتبار مراسيم الضرورة أمراً سياسياً يعود تقديره للسلطة التنفيذية برئاسة الأمير، وكان المرحوم عثمان عبدالملك قد انتقد هذا التبرير في قرار المحكمة آنذاك، برفض الطعن في المرسوم بقانون الصادر عام 1962 بتعديل قانون الانتخابات لعام 1981، الذي صدر بعد حل مجلس الأمة لعام 1975، باعتباره من الأعمال السياسية التي لا تخضع لرقابة القضاء، وبذلك تكون المحكمة قد أكدت إرساء قاعدة سياسية تقفل الباب أمام ذرائع السلطة التنفيذية.الأمر الثاني، هو بحث مدى توافر حالة الضرورة في إصدار المراسيم، وقد قضت المحكمة بإبطال مرسوم لجنة الانتخابات الوطنية والهيئة العامة لمكافحة الفساد، لعدم توافر شرط الضرورة.كذلك قرار المحكمة بإبطال انتخابات مجلس فبراير 2012 ومجلس ديسمبر 2012 (مجلس الصوت الواحد) لأسباب إجرائية، كما رفضت الطعن من الحكومة في قانون الانتخابات رقم 42 لسنة 2006 (قانون خمس دوائر بعشرة نواب، وحق الناخب في اختيار 4).وبنت المحكمة رفضها طعن الحكومة، بأن القانون يشوبه عدم التوازن وسلبيات ظهرت في التطبيق، على أن ما ذكرته الحكومة لا يكشف عن عيب دستوري، ولا يصلح سبباً للطعن بعدم دستوريته، وأن ما ذكرته الحكومة بأن توزيع الدوائر قد أخلَّ بالنسبة لصوت الناخب، وبناء على ذلك قضت المحكمة برفض الطعن المقدَّم من الحكومة، الذي كانت تريد منه الحصول على رخصة لتعديل قانون الانتخابات، والنقاش المثار بأن قاعدة عدم توافر حالة الضرورة أدت إلى إبطال المراسيم المشار إليها، ورفض الطعن المقدم من الحكومة في قانون الانتخابات رقم 42 لسنة 2006 تنطبق على قانون الصوت الواحد، فالمادة 71 التي تبيح إصدار مراسيم الضرورة اشترطت كمبرر للاستعجال أن يحدث في غياب مجلس الأمة أثناء العطلة أو حلّه، ما يوجب إجراءات لا تحتمل التأخير، لمواجهة أخطار محدقة من شأنها الإضرار بمصلحة البلد.وكان المبرر لإقرار المحكمة بدستورية مرسوم الصوت الواحد بعد حل مجلس فبراير 2012 وعودة مجلس 2009، هو عدم حضور النواب جلسات المجلس، وهو ما يثير التساؤل ألا يكون حل المجلس والدعوة لانتخابات جديدة هو الخيار الأسلم، وخاصة أن مبررات إصدار هذا القانون هي نفسها التي تضمنها طلب الطعن في قانون 2006، وهذا الطعن يؤكد أن الحكومة لديها نية مبيتة للتخلص من القانون وهندسة نظام انتخابي ينتج مجلساً موالياً في غالبيته للسلطة.فعودة المحكمة للأخذ بحيثيات سبق أن رفضتها في طلب الطعن المقدم من الحكومة، وما جاء في حيثيات الحكم تبدو غير مقنعة، وما ذكرته المحكمة بأن الصوت الواحد للناخب هي قاعدة مأخوذ بها في الدول الديمقراطية قياس يشكو من الخلل، فالصوت الواحد للناخب في الدول الديمقراطية هو لاختيار نائب واحد عن الدائرة الانتخابية، وليس واحدا من عشرة للدائرة.وهو ما يؤدي إلى خلل جسيم، وذلك بتخفيض نصاب النجاح من 4500 صوت إلى ألف صوت أقل، أي من %10 على الأقل إلى %2 أو أقل، وهو لا يعكس الإرادة الشعبية.
مقالات
ماذا بعد عدم دستورية «مكافحة الفساد»؟ مرسوم الصوت الواحد لا تتوافر فيه شروط الضرورة أيضاً
30-12-2015