بعد يوم واحد من بدء تركيا أخيراً باستهداف مقاتلي "داعش" في سورية، حوّلت أسلحتها ضد أعدائها القدماء في حزب العمال الكردستاني، إذ حارب هذا الحزب بشكل متقطع طوال عقود لنيل الاستقلال الكردي عن تركيا، إلا أنه التزم بوقف لإطلاق النار طوال السنتين الماضيتين، في حين كان قائده المسجون، عبدالله أوجلان، يتفاوض مع الحكومة التركية بشأن معاهدة سلام.
كان حزب العمال الكردستاني أول مَن خرق وقف إطلاق النار، حين قتل أربعة رجال شرطة الأسبوع الماضي، وفي الخامس والعشرين من يوليو، ردت الطائرات التركية بقصف معسكرات حزب العمال الكردستاني في العراق، فجاء رد الحزب في اليوم التالي باعتداء بسيارة مفخخة استهدفت موكباً عسكرياً تركياً في بلدة "ليس" الشمالية أودى بحياة جنديين، وفق تصريحات الجيش.يضع هذا القتال حداً نهائياً لوقف إطلاق النار بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني، فضلاً عن أنه يعقد حماسة تركيا الجديدة للمشاركة في الجهود التي تقودها الولايات المتحدة بغية القضاء على "داعش"، صحيح أن الولايات المتحدة تعتبر حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، إلا أنها تدعم المقاتلين الأكراد في سورية المعروفين باسم وحدات الدفاع الشعبية والمتحالفين مع هذه المجموعة، وقد بدأت هذه الوحدات بإنشاء مناطق مستقلة خاضعة للحكم الكردي حيثما حررت المناطق في سورية، ومع أن تركيا أيدت الجهود العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة لتدمير "داعش"، تُظهر الاعتداءات أنها مصممة على الحد من تنامي قوة الأكراد الناجمة عن هذه الحملة.في الوقت عينه، من الواضح أن للاعتداءات التركية دوافع سياسية محلية، فقد خسر حزب العدالة والتنمية الحاكم الأغلبية الحاكمة في انتخابات السابع من يونيو، حين تخطى حزب الشعب الديمقراطي الموالي للأكراد للمرة الأولى عتبة العشرة في المئة الضرورية للفوز بتمثيل في البرلمان، لكن حزب العدالة والتنمية بدا غير مستعد للقيام بالتسويات اللازمة بغية تشكيل حكومة ائتلافية، وقد يحتاج الرئيس رجب طيب إردوغان إلى الدعوة لانتخابات مفاجئة في الخريف، وخلال عهده الطويل كرئيس وزراء اشتهر إردوغان بمقاربته العملية إلى القضية الكردية، إلا أنه تبنى ميلاً قومياً مناهضاً للأكراد منذ انتخابه رئيساً السنة الماضية.يعتقد كثيرون أن الحكومة استغلت هذه الفرصة لمهاجمة حزب العمال الكردستاني وتعزيز المشاعر الشعبية المناهضة للأكراد، على أمل أن يحظى حزب الشعب الديمقراطي بأقل من عشرة في المئة خلال الانتخابات المقبلة. وهكذا ينال حزب العدالة والتنمية الأغلبية الساحقة في البرلمان، مما يُعتبر كافياً للسماح لإردوغان بمتابعة مشروعه المحبب: تغيير الدستور ومنح تركيا رئاسة تنفيذية، لكن الولايات المتحدة قلقة بشأن الحملة التركية الجديدة ضد الأكراد، لأنها تخاف أن تضعف جهود التصدي لـ"داعش". يقر إردوغان أنه ما زال يريد عقد السلام مع الأكراد داخل تركيا، ولكن مع تعاطف عدد كبير من الأكراد في تركيا مع حزب العمال الكردستاني، من المستبعد أن يساهم قصف معسكرات هذه المجموعة في تحقيق هذا الهدف.
مقالات
انتهاء الهدنة بين تركيا والمقاتلين الأكراد
30-07-2015