عراق بول بريمير
في الأيام والأسابيع التي تلت غزو العراق عام 2003، أوكلت إدارة بوش إلى دبلوماسي مغمور يُدعى ل. بول بريمر مهمة قيادة عملية إعادة البناء وجهود انتقال السلطة في عراق ما بعد صدام حسين.تمتعت سلطة الائتلاف المؤقتة بقيادة بريمر بسلطة اقتصادية وسياسية شبه مطلقة في العراق، وبصفته السلطة المدنية العليا في البلد، تمتع بريمر بالنفوذ الكافي لتغيير العراق بالكامل، لكن خطواته لتخليص الحكومة من طابعها البعثي وحلّ الجيش العراقي، التي يُشار إليها عموماً بأمري سلطة الائتلاف المؤقتة الأول والثاني، تحولت إلى محور الكثير من الجدل في السنوات التي تلت الغزو. فقد انتقل عدد كبير من الموالين للنظام السابق والجنود العراقيين الذين باتوا عاطلين عن العمل إلى صفوف التمرد السني الذي ابتُليت به القوات الأميركية خلال السنوات اللاحقة، وما زال كثيرون منهم يساعدون اليوم التنظيم المتحدر من هذا التمرد "داعش".
إذاً، هل تُعتبر الفوضى الحالية خطأ بريمر ورد فعل متسلسلاً للكثير من الهفوات والتدابير الفاشلة، أم أن اللوم يقع على شخص آخر؟في Long Road to Hell: America in Iraq (الطريق الطويل نحو جهنم: الولايات المتحدة في العراق)، تقرير خاص من المتوقع أن يُبث على شاشة شبكة "سي إن إن" مساء الاثنين، يتناول فريد زكريا هذا السؤال والكثير غيره مما أثير حول الاحتلال وعملية إعادة البناء في العراق، فضلاً عن الأسباب التي تفرض على الولايات المتحدة (التي عادت راهناً إلى القتال في هذا البلد) الإجابة عنها.لطالما دافع بريمر عن عمله كرئيس لسلطة الائتلاف المؤقتة، وخلال مقابلته مع زكريا، يدّعي أن جهوده التي قيل إنها هدفت إلى التخلص من حزب البعث حصلت على دعم وتأييد بوش نفسه:زكريا: عمد مسؤولو البيت الأبيض نوعاً ما إلى إلقاء اللوم على عاتقك.بريمر: بخلاف الرئيس.زكريا: كلا، لم يحملك الرئيس المسؤولية، ولكن.بريمر: كلا، لم يحملني المسؤولية. زكريا: لا.بريمر: نعم، وافق عليها.زكريا: وافق عليها؟بريمر: نعم.يشير النقاد غالباً إلى أن بريمر، الذي لا يجيد اللغة العربية وكان سابقاً سفير الولايات المتحدة إلى هولاندا، افتقر إلى المؤهلات الملائمة والخبرة الضرورية بغية توجيه عملية انتقال السلطة وجهود إعادة البناء في العراق، فبالإضافة إلى قراريه الأكثر إثارة للجدل في هذا البلد، عمل مسؤول الخدمات الخارجية السابق على تحرير اقتصاد هذا البلد المركزي وخصخصة قطاعه النفطي، علماً أن هاتين الخطوتين عرضتاه أيضاً لتعليقات مختلطة.لكن مدى سلطة بريمر في هذا البلد صُوّر أحياناً بطريقة مبالغ فيها، فكتب واضعو تقرير عام 2009 عن سلطة الائتلاف المؤقتة من معهد راند: "من الناحية العملية، كانت سلطة بريمر محدودة أكثر مما بدا في الظاهر، فما كان يتمتع بأي سلطة مباشرة على 98% من الموظفين الرسميين الأميركيين في العراق، بل كان هؤلاء خاضعين للقيادة العسكرية".شدد بريمر على مر السنين أن الجيش الأميركي يحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عن الأخطاء التي ارتُكبت في العراق، وأن مطالبته بالمزيد من الجنود في البلد لم تلقَ غالباً آذاناً صاغية، فقد أخبر بريمر صحيفة The Independent في الذكرى العاشرة للحرب: "افترضت أننا سنتمتع بالقوة الكافية على الأرض. كان علينا أن نتعلم من البوسنة والصومال أن علينا إنزال عدد كاف من القوات على الأرض بغية حماية الشعب".يصر بريمر أيضاً على أن جهوده للتخلص من حزب البعث لم توصف على النحو الصحيح، وأن المسؤولين العراقيين، الذين أمسكوا بزمام السلطة بعد الغزو، لم يُلاموا كفاية.أعلن بريمر عام 2013: "أجرينا استطلاعات للرأي... لم تحظَ عملية التخلص من حزب البعث مطلقاً بتأييد أقل من 95%. كان الخطأ الذي ارتكبته تسليم هذه العملية إلى مجموعة صغيرة من السياسيين العراقيين، الذين عملوا على توسيعها، وأعتقد أن هذا أساء إلينا لأنه أعطى الانطباع أننا كنا مستعدين لإجراء عملية شاملة للتخلص من حزب البعث من المجتمع بأكمله، مع أن هذه لم تكن نيتنا بالتأكيد".كيفن سوليفان