وظيفة المسرح
لعل أبناء هذا الجيل يعلمون أن المسرح يُلقب بأبي الفنون، لأنه صاحب انبثاق ازدهار الحضارة الإنسانية عند قدماء العراقيين أو عند قدماء المصريين، ثم تطور بشكل لافت عند الإغريق... ولست هنا بصدد تأريخ هذا الفن العريق، لكنني شديد الحزن للتراجع المريع الذي أصاب حركة المسرح عندنا بالوهن.فغدا الذهاب إلى المسرح بحثاً عن تسلية ساذجة من خلال مشاهد يقوم بها نفر ممن توفرت لهم فرصة الإضحاك بحركات، أو كلمات، أو أفعال خالية من أي مضمون، هي أقرب إلى التهريج منها إلى فن حضاري هادف.
وبشكل عام فإن المسرح في عالمنا العربي إذا كان جاداً فإنه يركز على الهم الاجتماعي بصيغ مختلفة، الإضحاك يأخذ منها الحيز الأكبر، وفي حالات قليلة يلجأ الكاتب المسرحي إلى الرمز، أو الأسطورة كي لا يقع تحت طائلة القانون إذا كتب ما يريد كتابته صراحة في مواجهة الواقع السياسي السائد... وقد كثُر هذا اللون من الكتابات المسرحية في عهود حكم الدول الدكتاتورية.• والمسرح هو أفضل الأمكنة للحوار، لأنه يملك قسطاً وافراً من الحرية لإبراز وجهات النظر المراد طرحها، على ألا يخضع للشعارات الطنانة، ولا يكتفي بالنوايا الحسنة، والوعود الكاذبة، كما كان يحدث في مسرحيات امتصاص غضب الناس عقب هزيمة 67 في كل من مصر وسورية، وغيرهما من بلدان أخرى.فالهامش الديمقراطي، الذي يتمتع به المسرح في النقد وفضح الواقع وطرح البديل كرغبة في تجاوز ذلك الواقع المتردي، هو الهم الأساسي الذي يُشغل كاتب المسرح الملتزم برسالته لزيادة وعي الناس، ومن ثم تفاعلهم، وكذلك زيادة الجرعة الديمقراطية وتحويلها من شعار أو هامش ضيق إلى معايشة واقعية لديمقراطية، وهو شرط أساسي لمواجهة ما يعترينا من تخلف اجتماعي. • والساعات القليلة التي يقضيها الإنسان في المسرح كفيلة بترسيخ هذا المفهوم عند المشاهدين، فالمسرح يفرض حواراً بصوت عالٍ مع النفس، ومع الآخر، ويعكس الهموم والأحلام، ويهجس بالطموحات.هذا عدا كون المسرح مرآة يرى فيها الناس أنفسهم كما يرون الآخرين.والمسرح يحسن إعلان الاحتجاج والتمرد على التخلف والظلم والاستغلال والأخطاء، ويحث على طرق الخلاص، وهو ليس الخلاص الفردي إنما تجاوز ذلك للأشراك المنصوبة، وصولاً إلى عالم أجمل وأكثر سعادة للإنسان.* * *• عندما أكون في نيويورك لا يمضي أسبوع إلا وأشاهد ثلاث مسرحيات، أخرج من كل واحدة منها بحصيلة تعادل حصيلة من القراءات المكثفة.ونحن أنشأنا معاهد للفنون المسرحية... لا أغالي عندما أقول إنها لا تقل أهمية عن كليات الطب، فهل أخرجت لنا أطباء مسرحيين يعالجون قضايا مجتمعاتهم، أم أنها اكتفت بالتهريج فقط؟!