أمراض المهمشين المُهمَلة

نشر في 20-11-2015
آخر تحديث 20-11-2015 | 00:01
دعوة أخرى إلى بلدان العالم كافة من أجل التكاتف لعلاج أمراض المناطق المدارية المهملة، ومواجهة المعاناة الإنسانية التي تتسبب فيها هذه الأمراض، حيث تؤثر على الناس الأكثر تهميشاً، في صورة قميئة من كوارث الفقر الواجب التصدي لها.
 بروجيكت سنديكيت عندما زار البابا فرانسيس الولايات المتحدة في سبتمبر ألقى خطابين تاريخيين أمام الكونغرس الأميركي والجمعية العامة للأمم المتحدة، واستناداً إلى منشوره البابوي "الحمد لك" (Laudato Si)، سلط فرانسيس الضوء على مسؤولية المجتمع الدولي عن الاستجابة لمعاناة البشر، كتلك التي يواجهها اللاجئون وأولئك الذين يعيشون في فقر مدقع، ودعا إلى التضامن العالمي من أجل التغلب على الإقصاء الاجتماعي وعدم المساواة بين الناس.

وينبغي لمناشدات البابا أن تحملنا على توجيه اهتمامنا إلى كل جانب من جوانب المعاناة الإنسانية، وخاصة تلك التي تؤثر على الناس الأكثر تهميشا، ويتمثل أحد هذه الجوانب في أمراض المناطق المدارية المهمَلة، إذ تمثل هذه المجموعة من أشكال العدوى الطفيلية وما يتصل بها من أمراض ــ بما في ذلك الخيطيات الليمفاوية (أو داء الفيل)، والديدان المعوية، والبلهارسيا ــ كارثة من كوارث الفقر، وتبتلي هذه الأمراض ما يقرب من 1.4 مليار إنسان سنويا، بما في ذلك أكثر من 500 مليون طفل، فتتسبب في آلام ومعاناة لا توصف، من خلال الإنتاجية المفقودة، وتساهم في إدامة دائرة الفقر.

على مدار السنوات العشر الماضية، أحرز المجتمع الدولي تقدماً كبيراً في التصدي لأمراض المناطق المدارية المهمَلة، فعلى سبيل المثال، بات من الممكن، بفضل سخاء شركات الأدوية الكبرى التي توفر الأدوية مجانا، توسيع نطاق البرامج العلاجية وترقيتها.

ولكن من المؤسف، برغم العلامات المشجعة، أن 40 في المئة فقط من الأشخاص المعرضين لخطر هذه الأمراض التي يمكن الوقاية منها يحصلون على الدواء الذي يحتاجون إليه، ولا يزال أكثر من مليار شخص محرومين من القدرة على الوصول إلى العلاج لحالات ربما تكون منهِكة ومقعِدة والتي لا يتكلف تسليمها إلى كل شخص أكثر من نصف دولار، وهذه ليست قضية طبية خطيرة فحسب؛ بل إنها تُعَد أيضاً مشكلة أخلاقية بالغة الخطورة، والتي يجابهها أمثالنا من العاملين مع الفقراء كل يوم.

الواقع أن سبب فشل المجتمع الدولي في حل هذه المشكلة بسيط بقدر ما هو قبيح؛ ففي الأغلب الأعم، لا تصيب أمراض المناطق المدارية المهملة سوى الأشخاص الأشد فقراً والأكثر عُرضة للتجاهل، وعلى حد تعبير البابا فرانسيس في منشوره البابوي، "الوعي قليل بالمشاكل التي تبتلي المستبعدين بشكل خاص، فهم ربما يُذكَرون في المناقشات السياسية والاقتصادية الدولية، ولكن انطباع المرء غالباً هو أن مشاكلهم لا تُذكَر إلا باعتبارها قضية إضافية ثانوية".

لقد جاءت زيارة البابا التاريخية للولايات المتحدة في وقت بالغ الأهمية، إذ كان الكونغرس بصدد وضع اللمسات الأخيرة على فواتير الإنفاق للعام المالي 2016، وكانت الأمم المتحدة على وشك إتمام عملها بشأن أهداف التنمية المستدامة، أو تحديد الأهداف التي ستوجه سياسة التنمية على مدار السنوات الخمس عشرة المقبلة، وتُحسِن كل من المؤسسات صنعاً بالإصغاء إلى كلمات البابا.

ومن الأهمية بمكان أن تواصل الولايات المتحدة زعامتها القوية لجهود مكافحة أمراض المناطق المدارية المهمَلة من خلال الحفاظ على تمويل برامج العلاج في ميزانيتها الفيدرالية، هذا العام وفي السنوات القادمة، فكما ذَكَّر فرانسيس أعضاء الكونغرس، "ما حجم العمل الذي تم إنجازه في هذه السنوات الأولى من الألفية الثالثة لانتشال الناس من براثن الفقر المدقع؟! أنا أعلم أنكم تشاركونني قناعتي بأن العمل المطلوب لا يزال أكثر مما تم إنجازه بالفعل كثيرا، وأن روح التضامن العالمي لا ينبغي أن تضيع في أوقات الأزمات والمصاعب الاقتصادية".

وما يشجعنا على الصعيد الدولي أن أعضاء الأمم المتحدة بات لديهم الحافز لتخصيص أولوية عالية لمكافحة أمراض المناطق المدارية المهمَلة على أجندة التنمية لمرحلة ما بعد 2015، وبشكل خاص، تم إدراج مؤشر عالمي لأمراض المناطق المدارية المهمَلة ــ عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى تدخلات ضد أمراض المناطقة المدارية المهمَلة ــ في إطار رصد تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، وهذا من شأنه أن يساعد في ضمان إعطاء هذه الأمراض أخيراً القدر الذي تستحقه من الاهتمام على مدار السنوات الخمس عشرة المقبلة.

تتمثل إحدى الخطوات الأكثر أهمية للتغلب على ما أسماه فرانسيس "عولمة اللامبالاة" في العمل معاً في دعم العمل الحاسم القابل للقياس في التصدي لأمراض المناطق المدارية المهمَلة، ومن الواضح أن تقديم مقياس عالمي لتحديد مدى تقدمنا على مسار السيطرة على هذه الأمراض والقضاء عليها إلى الأبد يُعَد تأكيداً حقيقياً لتضامننا مع الفقراء.

لقد ذَكَّرنا فرانسيس في الخطاب الذي ألقاه أمام الأمم المتحدة بنقطة بالغة الأهمية: "فبعيداً عن خططنا وبرامجنا، نحن نتعامل مع رجال ونساء حقيقيين، يعيشون ويناضلون ويعانون، وكثيراً ما يضطرون إلى الحياة في فقر مدقع وحرمان من كل الحقوق"، وإذا لم نتمكن برغم كل التقدم التكنولوجي والتبرعات غير المسبوقة من قِبَل القطاع الخاص من تخفيف المحنة التي يعيشها أفقر الفقراء في مقابل قروش قليلة لكل شخص، فكيف نتوقع حقاً أن نتمكن من التغلب على التحديات الأكثر صعوبة وتكلفة التي تواجهنا في مجالات الصحة والتنمية؟

مايكل مارين & كارولين وو

* مارين الرئيس التنفيذي لمعهد سابين للقاح في واشنطن العاصمة، أما كارولين فهي رئيسة هيئة خدمات الإغاثة الكاثوليكية ومديرتها التنفيذية.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top