يؤكد مدير المركز الثقافي الإسلامي في ميلانو بإيطاليا سعيد محفوظ، أن الإسلام والمسلمين والعرب يواجهون تحديات كبيرة وخطيرة، خصوصا في ظل ظهور جماعات ترتدي ثوب الإسلام، وترتكب أعمالاً لا تمت بصلة لا من قريب ولا من بعيد لهذا الدين الحنيف، مشيراً في حواره مع "الجريدة" إلى أن وعي الشعوب الأوربية أكبر من كل المحاولات التي تريد أن تنال من الإسلام أو المسلمين أو العرب.

Ad

• نريد أن نتعرف على مسلمي إيطاليا كيف يعيشون ويتعايشون مع الآخر؟

- المسلمون في إيطاليا يعيشون في سلام، ويتعايشون مع الآخر أيضاً في سلام، وهذا أمر يعود إلى تمسك المسلمين بأخلاق دينهم وبأخلاق رسولهم الكريم (ص)، ولذلك ستجد أن من النادر أن يمر يوم دون أن يعتنق أحد الإسلام، فهناك أيام يدخل فيها الإسلام العشرات، ودائماً أقول إن دعوة الرسول (ص) نُشرت بفضل الأخلاق الحميدة، وحسن المعاملة مع المسلمين وغير المسلمين، وعندما وصف الله رسوله قال "وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ" (القلم: 4)، فالأخلاق كانت صاحبة الفضل الأول في نشر دعوة الإسلام في كل ربوع الدنيا، ومن يقرأ التاريخ فسيدرك أن الإسلام نشر في أوروبا كلها بفضل أخلاق التجار وحسن تعاملهم، فالإسلام دين يدعو إلى التسامح والحب والسلام والأمان وحفظ العهود ومساعدة الآخرين، وإن كانوا غير مسلمين، والمسلمون في ميلانو عددهم يقدر بحوالي 300 ألف نسمة، معظمهم متمسك بأخلاق الإسلام وأخلاق الرسول (ص)، وجميعهم يقدمون صورة مشرفة عن الإسلام والمسلمين، ولذلك الشعب الإيطالي يحترم ويحب المسلمين.

• ما مظاهر الحب من جانب الشعب أو الحكومة الإيطالية للمسلمين هناك؟

- الحكومة تقدم كل العون في توفير المناخ للمسلمين حتى في شهر رمضان المبارك تقوم بعمل تخفيضات كبيرة على السلع والمواصلات، وفي يوم عيد الفطر تمنح الحكومة إجازة لعدد كبير من الموظفين... كل ذلك يأتي احتراماً للمسلمين، فضلا عن أن معظم الشعب الإيطالي يحترم ويقدر شعائر المسلمين، فمن الصعب أن تجد إيطالياً يأكل أمامك وأنت صائم في رمضان، هذا بجانب تقديم كل التسهيلات من قبل الحكومة الإيطالية لإنشاء المدارس العربية والإسلامية، وهناك في ميلانو مدرسة عربية باسم الأديب العالمي نجيب محفوظ .

• كيف يعيش المسلمون في إيطاليا في ظل الأعمال المتطرفة من قبل من ينتسبون للإسلام؟

- المسلمون والعرب سواء في الداخل أو الخارج يواجهون تحديات كبيرة بسبب التصرفات غير المسؤولة من قبل بعض الجماعات التي ترتدي ثوب الإسلام، ويرتكبون به أعمالاً لا تمت للإسلام بصلة، فهؤلاء لا يمكن أن يكونوا تخرجوا في الجامعات الإسلامية وعلى رأسها "الأزهر الشريف"، الذي يعد منبع الإسلام الحقيقي الذي نزل على سيدنا محمد (ص) الذي جاء رحمة للعالمين، ولكن وعي الشعب الإيطالي ومعرفته بالإسلام الحقيقي يقف حائط صد ضد المحاولات الخبيثة لتشويه صورة الإسلام والمسلمين في الغرب عموماً.

• إلى أي مدى تلعب تصرفات الجماعات المتطرفة في بعض الدول دوراً سلبياً في تشويه الصورة الذهنية عن الإسلام والمسلمين؟

- هذه الجماعات المتطرفة التي ترتكب حماقات باسم الإسلام، من قتل وذبح وهدم للآثار، كلها أعمال تنم عن الفهم غير الصحيح للإسلام، وتتعارض مع سنة نبينا (ص) الذي بعث رحمة للعالمين والذي وقف لجنازة رجل يهودي، فضلا عن مطالبته لنا دائماً بحسن الأخلاق مع غير المسلمين، فقد أوصانا بالمسيحيين خيراً فهو القائل: "من آذى ذمياً فقد آذاني ومن آذاني كنت خصيمه يوم القيامة"، فما بالنا بالذين يقتلون ويذبحون المسيحيين والمسلمين معاً، فهذه الجماعات ترتكب جريمة كل يوم في حق الإسلام والمسلمين، وهم يرتدون ثوب الإسلام لكي يُسيئوا لمليار ونصف المليار مسلم في أنحاء العالم، ولن أنسى يوماً كنا نوزع فيه كتباً عن الإسلام باللغة الإيطالية على من نلتمس فيهم القبول والميول للقراءة والمعرفة بالإسلام، وعندما أمسكت إحدى السيدات الإيطاليات كتابا منها سرعان ما ردته إلينا بعنف وقالت في غضب: "إني أعرف جيدا ما هو الإسلام. إنه سوء الخلق والمعاملة السيئة التي نراها ونلمسها ونعيشها كل يوم في التعامل معكم أو اللقاء بكم"، وتابعت: "الإسلام لا يكون كلمات تقرأ، وشعارات تردد، ومبادئ تسطر في كتب"، وكان رد السيدة عنيفاً بالنسبة لي، خصوصا أن الشعب الإيطالي مسالم لأبعد الحدود، لكن يبدو أن تصرفات بعض المسلمين في إيطاليا تسيء لنا جميعاً.

• هل ترى أن هناك أزمة في الفهم الصحيح للإسلام من جانب المسلمين؟

- نعم هناك أزمة، لذلك لابد أن يعي المسلم أن الله اختاره لحمل الأمانة وتحمل المسؤولية، وما أعظم الإسلام، فإنه أسمى أمانة وأثمن مكانة وأقدس عقيدة، فالمسلم خليفة الله في أرضه، والمسلم الحقيقي لابد أن يطبق الإسلام قولا وفعلا وعلما وعملا وخلقا وسلوكا يراقب الله في نفسه، وفي جوارحه ومعاملته مع أهله وسائر عباد الله، ويجب أن يكون صادقاً مع ربه ومع نفسه ومع الناس، فلولا أخلاق المسلمين الأوائل ما انتشر الإسلام .

* ماذا عن الإسلام في أوروبا عموماً في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهه الآن؟

- بفضل الله مازالت صورة الإسلام مضيئة رغم كل التحديات التي تواجهه، ورغم الأفعال والحماقات التي ترتكب من قبل من ينتسبون زوراً وبهتانا إليه، والجميع في أوروبا يدرك أن عدد المسلمين في تزايد مستمر، فلا أبالغ عندما أقول إن 33 في المئة من مواليد إيطاليا من المسلمين، واسم محمد هو الأشهر في أوروبا الآن، وفي ألمانيا يزيد عدد المسلمين على خمسة ملايين مسلم، والمساجد في ألمانيا تتجاوز 2600 مسجد، منها 160 مسجداً تعلوها المآذن، فضلاً عن وجود أكثر من 50 مدرسة ألمانية تقوم بتدريس الدين الإسلامي، وإذا انتقلنا إلى إيطاليا خصوصا في منطقة "لومبارديا" الشمالية تنبهر وتشكر الله عزوجل عند رؤيتك لمئات المساجد والمراكز الإسلامية والمدارس والمعاهد، فضلا عن أن وزارة الداخلية الفرنسية أعلنت في بيان رسمي أن هناك 3600 فرنسي يعتنقون الإسلام سنوياً، كما تؤكد الدراسات الاجتماعية في فرنسا أن المسلمين الفرنسيين أكثر التزاما وأقلا ارتكابا للجرائم.