مرافعة:فضيحة مكافحة الفساد!
كشف الحكم الصادر من المحكمة الدستورية، الأحد الماضي، بعدم دستورية مرسوم قانون إنشاء هيئة مكافحة الفساد، لانتفاء حالة الضرورة، التي تتطلبها المادة 71 من الدستور، الخلل الذي وقعت فيه الحكومة، بإصدار مراسيم الضرورة التي عرضت على مجلس ديسمبر 2012، الذي أقرها دفعة واحدة، تم إلغاء مرسومين منها، وهما الانتخابات والفساد.حكم عدم دستورية اللجنة العليا للانتخابات أو مكافحة الفساد يكشف أزمة قانونية لدى الحكومة ومستشاريها تتطلب منها إعادة النظر في القرارات والمراسيم التي تصدرها، سواء المرتبطة بسلامة العملية الانتخابية، أو حتى بالشكل القانوني السليم للتشريع، وإلا فإن كل المراسيم التي أصدرتها الحكومة، والتي لم تتبع الشكل القانوني السليم وفق الدستور، ستكون عُرضة للإلغاء، رغم الإقرار السيئ للمجلس لها، من دون أن يمارس دوره الرقابي في بيان حالة الاستعجال من عدمها.
حكم المحكمة الدستورية، بإلغاء هيئة مكافحة الفساد لم يلغِ الكيان القانوني للهيئة فقط، بل أعلن شهادة وفاة هذا الكيان، الذي وُلد مشوَّها، بسبب أخطاء الحكومة القانونية، التي كانت سبباً لبطلان عمليتي انتخاب مجلسي فبراير وديسمبر 2012. التساهل في استخدام سلطة التشريع، التي أشار الدستور إلى التشدد في استخدامها بفترة غياب مجلس الأمة قاد إلى إنشاء الكيانات والهيئات واللجان التي لا تبرر استخدام سلطة المراسيم، إلا تأكيدا لحالة العناد وعدم الإنصات لصوت الدستور، الذي حرم استخدام تلك الأدوات في غير الغرض الذي من أجله وضعت. حكم المحكمة الدستورية بقدر ما أفرحنا بتأكيده على تكريس فكرة الرقابة على مراسيم الضرورة التي تصدر بفترة غياب المجلس، وبضرورة أن تتوافر بها الشروط والأركان التي تطلبتها المادة 71 من الدستور، رغم ما أحزننا إلى إلغاء هذا الجهاز، الذي كان بريق الأمل لنا كمواطنين، لملاحقة الفساد والمفسدين وتعقب سرقاتهم وملاحقة شبهاتهم. واليوم وإزاء الفراغ الذي أحدثه إلغاء القانون، فإن عصا القانون لن تطول المجرمين بقضايا الكسب غير المشروع، بسبب عدم إجبارهم على تقديم إقرارات الذمة.حكم المحكمة الدستورية، هو بمثابة إعلان رسمي بوفاة هيئة مكافحة الفساد، خصوصاً بعدما كشف الواقع العملي عن وجود تردد حكومي وعدم تجاوب حقيقي من المجلس، فأصبح الحديث عن الفساد والمفسدين ماضياً نتذكره، وألماً لا نملك إلا الحديث عنه بحسرة ما لم تجتمع الجهود الصادقة لإنجازه مجدداً.