تاريخ «اللاعنف» زاخر بالأمثلة، استخدم فيه الجسد والشعار واللون والهتاف والصمت والسخرية، وبهذه الوسائل أزيلت حكومات وطغاة وبيروقراطيات وقوانين وأعراف.

Ad

أول العمود:

الحكومة تدرس إنشاء هيئة الكوارث… السؤال هنا: إلى متى مسلسل "استيلاد" الهيئات؟ أين الدفاع المدني هنا؟

***

"عليك تعلم كيفية السكون وسط الحركة، وكيفية التحرك وسط السكون".

مقولة شهيرة للزعيمة الهندية أنديرا غاندي لفتت نظري، حاولت ربطها بفكرة تجريدية مبتكرة حدثت في ساحة باريسية غداة اجتماع قادة العالم في قمة المناخ ٣٠ نوفمبر المنصرم، ولأن عاصمة النور قد تلبست بقانون الطوارئ بسبب هدايا "داعش" الدموية فقد منعت التجمعات المناهضة للاحتباس الحراري، إلا أن الفرنسيين استعاضوا عن أجسادهم بأحذيتهم فكانت "تظاهرة الأحذية" التي تهربت بذكاء من قانون الطوارئ!

تاريخ "اللاعنف" زاخر بالأمثلة، استُخدِم فيه الجسد والشعار واللون والهتاف والصمت والسخرية، وبهذه الوسائل أزيلت حكومات وطغاة وبيروقراطيات وقوانين وأعراف.

نتذكر هنا تظاهرة ميدان "ابيفانيو دي لوس سانتوس" في الفلبين عام ١٩٨٦، التي طيرت الرئيس ماركوس خارج بلاده، ونتذكر تأثير حفلات "الهيبيز" ضد التدخل الأميركي في فيتنام، وحركة الحقوق المدنية في أميركا في ستينيات القرن الماضي، والثورات الملونة في دول أوروبا الشرقية، والثورة الخضراء في إيران ٢٠٠٩ بعد تزوير الانتخابات.

من منا لا يعرف قناع "جاي فوكس"، فأي زعيم أو رئيس وزراء كذاب وفاسد سيخجل من طريقة ابتسامة فوكس، فهي منحوتة بشكل يقول للمتهم: أعرف خباياك أيها الوقح.

الوسائل السلمية للاحتجاج أصبحت بفضل وسائل التواصل الاجتماعي سريعة الانتشار والتبادل بين ملايين الشباب في دول العالم، فاللون البرتقالي الذي تم ابتكاره في أوكرانيا مكّن الشباب هناك من تغيير نظام الحكم الفاسد، وصل هذا اللون إلى ساحات لبنان ومصر والكويت، ليعبر مريدوه عن رفضهم لفساد الإدارة وقضايا أخرى؛ فالاحتجاجات الشعبية الأخيرة في العراق ولبنان والكويت أفصحت في كثير من زواياها عن أوضاع مزرية حدثت في صيف ٢٠١٥ اللاهب، من انقطاع الكهرباء، والنفايات، وغلاء الأسماك.

من بين أطرف وسائل الاحتجاج السلمي دعوات النساء إلى الامتناع عن الجنس من أجل إيقاف حرب أو تحسين خدمات كما حصل في مصر والسودان واليونان وإيطاليا مؤخراً.

الاحتجاج السلمي له إطار فكري اتفق عليه العالم من خلال تعريفه في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وإعلان الأمم المتحدة الخاص بالمدافعين عن حقوق الإنسان، وكذلك تعريف منظمة الأمن والتعاون الأوروبي له.

العالم يغلي، الدماء رخيصة، واحتجاجات البسطاء لن تنتهي مادامت الثروات بيد القلة كما نبهت تظاهرات "وول ستريت" في ٢٠١١، وبرغم عنف السلطة وتغولها تزداد البساطة الشعبية في مقاومتها، وكأن مشاهد مقاومة غاندي لقانون الملح البريطاني أو مقاطعة السود لقانون الفصل العنصري في وسائل النقل عام ١٩٥٦، وحشود ساحة "تيان آن من" الصينية في ١٩٨٩ تعود اليوم بسلميتها التي لا تخلو من قوه الأجساد الهزيلة.

تخطئ الأنظمة السياسية اليوم أيما خطأ حين تستهين بالعبث بالمال والسلطة مراهنة على رهبة العصا الكهربائية وخراطيم المياه الساخنة، فهناك من يملك الشجاعة لحرق نفسه (بوعزيزي تونس/ تتش كوان دك راهب فييتنام)، أو ينشر معلومات تكشف فضائح السلطات (ويكيليكس)، أو يعبر عن رأيه وهو في فراشه دونما حاجة إلى استجداء رئيس تحرير صحيفة لنشر رأيه (وسائل التواصل الإلكتروني) والتي بفضلها أصبح الشباب على مقربة بعضهم من بعض بعيداً عن سلطات الكنائس والمساجد والمال والسلطان.

في الكويت نحن بحاجة إلى نثر نقود مقلدة ورميها في ساحة الإرادة تعبيراً عن النقم من سرقة المال العام... لِمَ لا ما دمنا سلميين في الاعتراض؟