في رصيد النجم نور الشريف فيلم عايشت تصويره لحظة بلحظة، وكما اعتدت وقتها أجريت حوارات مع مخرجه وأبطاله وعناصره الفنية، واستقيت بياناته الموثقة من الشركة المنتجة (هاني جرجس فوزي)، ومن لوحة «الكلاكيت» التي كانت تحمل اسم «زمن الكلاب». وانتهى تصوير الفيلم الذي أخرجه سمير سيف وكتب له القصة والسيناريو والحوار طارق عبد الجليل، فيما قالت المؤشرات إنه سيحقق نجاحاً جماهيرياً مدوياً. فإضافة إلى اجتماع سمير سيف، أستاذ أفلام الحركة، مع نور الشريف نجمها المتوج، توافرت للفيلم عناصر فنية رائعة، على رأسها: مهندس الديكور رشدي حامد، المؤلف الموسيقي نبيل علي ماهر، فنانة المونتاج سلوى بكير ومدير التصوير سمير فرج، فضلا عن انطلاق الأحداث من عبارة مثيرة لقاض فرنسي يقول فيها: «المجتمع يصنع دائما المجرمين الذين يستحقهم»!

Ad

هكذا توقعنا، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان عندما فوجئ مؤلف الفيلم، كذلك المنتج والمخرج، بجهاز الرقابة على المصنفات الفنية يُعلن تحفظه ثم رفضه للعنوان، الذي حصل على موافقة عند تقديم السيناريو من قبل، وبالسؤال عن السر وراء الرفض المباغت قال المسؤولون في الرقابة إن عنوان «زمن الكلاب» يحمل إساءة إلى أجهزة ورجال الحكم القائم في تلك الفترة (1996)، وأن الفيلم لن يحصل على ترخيص العرض إلا في حال تعديل عنوانه إلى «الزمن والكلاب»!

الأمر الواضح وقتها أن تعنت الرقابة لم يكن مفهوماً، كذلك موقف وزارة الثقافة التي أبت التدخل، بل صمت آذانها عن الشكاوى المتكررة للمؤلف والمنتج، من ثم تصور الكثيرون أن ما يحدث على الساحة بمثابة استمرار لمسلسل عقاب نور الشريف، الذي أتهم قبل أربع سنوات من إنتاج الفيلم بالخيانة العظمى، إذ أنها المرة الأولى التي يتم فيها اللجوء إلى حرف «الواو» لينقذ فيلماً من مقصلة الرقابة، يحكي فيلم «زمن الكلاب» قصة سائق التاكسي «سلطان» (نور الشريف) الذي أوهم الخادمة القروية «هانم» (دلال عبد العزيز) بحبه، ونجح في التغرير بها، بعدما قتل الطبيب الثري الذي تعمل لديه، واستولى على ماله، ثم غدر بها، لكن التجربة تكتسب أهميتها، وجرأتها، من تناولها شتى ظواهر التلوث المادي والأخلاقي، التي عمت البلاد في تلك الفترة، على أيدي «الحيتان» و«الأباطرة» الذين عاثوا في الوطن فساداً، من تخريب للمصانع، واتجار بالمخدرات، وبيع للجثث والأعضاء البشرية، إضافة إلى الإمعان في جرائم القتل والعنف وسفك الدماء بغير وازع من ضمير أو إحساس، وهو ما تؤكده الجملة ذات المغزى التي يوردها الفيلم على لسان «سلطان»: «أحب أدخل التاريخ لكن من صفحة هولاكو»!

«زمن الكلاب» عن المغول الجدد في مصر في تلك الحقبة من نهاية التسعينيات من القرن الماضي، وهو ما أدركه القيمون على الرقابة، ورجال الدولة في الأجهزة المعنية، فما كان منهم سوى أن لاحقوا الفيلم، وتعقبوه، وغدروا به، وكادوا يصادروه، وكل هدفهم أن ينفوا صفة «الكلاب» عن اللصوص والقتلة والمجرمين، والحجة المعلنة أن مثل هذه الأفلام تؤلب المجتمع ضد بعضه البعض، وتؤجج نار العداوة والبغضاء ضد رجال الأعمال، وهي حجة ساذجة للغاية تدحضها موافقة الرقابة نفسها على فيلم أنتج قبلها بعشر سنوات بطولة نور الشريف وإخراج سمير سيف أيضاً يحمل عنوان «عصر الذئاب» كتبه إبراهيم مسعود ويُشير عنوانه إلى أن «الذئاب» هم رجال الأعمال الذين يمثلهم «شوكت» - عادل أدهم – تاجر الأسلحة الذي لا يتورع عن اغتصاب ضحاياه اعتماداً على نفوذه وعلاقاته الأخطبوطية برجالات الدولة، ورغم هذا لم تُبد الرقابة تحفظاً تجاهه، وأجازت عرضه من دون تعنت من أي نوع، وهو ما يؤكد مجدداً أن اعتراض الرقابة على فيلم «زمن الكلاب» لم يكن لأسباب تتعلق بالسيناريو، الذي قدمت السينما المصرية عشرات الموضوعات التي على شاكلته، ولا علاقة له بالرؤية المناهضة للفساد وأباطرته، كونها رؤية وجدت لنفسها مكاناً في مئات الأفلام التي أنتجت سابقاً، لكنه اعتراض من قبيل «التحرش» بالنجم نور الشريف، والإصرار على التضييق عليه، ومطاردته في أكل عيشه!

في «زمن الكلاب» كان العقاب على ذنب لم تقترفه أمراً جائزاً، وتعقب الشرفاء والمخلصين لأنهم رفضوا مجاراة الفساد، وركوب الموجة، طموح مشروع لدى الزبانية والخدم. لكن المثير أن واقعة تغيير عنوان فيلم «زمن الكلاب» لم تلق الاهتمام الذي تستحقه، واكتملت الجريمة بالصمت التام الذي دفع المنتج والمؤلف ثمنه غالياً، ولم يتطرق أحد، سواء وقتها أو بعدها، ولو من باب الطرفة، عن «الواو» التي أنقذت فيلماً من المصادرة، وعن الرقابة التي استماتت في الدفاع عن «الكلاب»، وحرصت على ألا تخدش حياءهم، ولم تهدأ إلا بعد أن حفظت لهم كرامتهم!