أصعب ما يكون على المرء أن يخاطب عزيزا فارق الحياة، فأسطّر هذه الكلمات رغم ما في النفس من حسرة وألم، فكم يعجز القلم عن وصف مواقفكم، فهناك من يتركون العالم كما جاء ولا يبقى من ذكراهم سوى أسمائهم، وهناك من يتركون الدنيا ووراءهم سيرة مشرفة وأعمال خالدة شاهدة على عظمتهم ومدونة عبر التاريخ، ولكن الموت حق وهو طريق البشرية كلها، وكلنا ماضون فيه وذاهبون إليه، وكما قال الله تعالى: "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (آل عمران 185).

Ad

خلال الأيام الماضية فقدت المملكة العربية السعودية والأمتين العربية والإسلامية أحد أركان وأعمدة المدرسة الدبلوماسية الذين أثروا حياتنا بمواقف تاريخية لا تنسى، دافع عن حقوق قضايا الأمة العربية والإسلامية بشجاعة وشراسة، رحل الأمير سعود الفيصل بعد رحلة طويلة دامت 40 سنة عاشها مع وزارة الخارجية، ولكنه شق لنفسه طريقا مميزا في عالم الدبلوماسية المعقد، واستطاع الأمير ذو النبرة الهادئة أن ينتزع إعجاب معظم الذين تعاونوا معه، وتمكن بحنكته من تفادي العديد من الأزمات.

 سعود الفيصل السياسي السعودي المخضرم يعد من أقدم الوزراء بالخارجية، فإذا كانت الفروسية تعني الجرأة والإقدام والتضحية والتفاني في العمل، فالأمير الراحل فارس بمعنى الكلمة في قافلة الفرسان العظماء الذين سجل التاريخ أعمالهم وإنجازاتهم بأحرف من ذهب، فقد كان- رحمه الله- دائما مثالا يحتذى به في العطاء والبذل، ولم يلن يوما أمام الصعوبات ولم يرتهن لأحد، قاوم الكارهين والحاقدين على الأمة العربية والإسلامية.

عرف بشجاعته ومواقفه الحاسمة تجاه قضايا وطنه وتجاه المتطرفين الذين حاولوا تشويه سمعة المملكة والإسلام، فوقف في وجه هؤلاء بالمرصاد، ونجح في التصدي لهم، لم يغره المنصب ولم يسلبه الجاه والملك والمال تواضعه، كان دائما يحمل هموم وطنه والأمة الإسلامية وأحلامهما وآمالهما في الحل والترحال، وضرب الأمير أروع الأمثلة في الصبر والتضحية والثبات على الحق، فكان فعله دروسا عملية للمدرسة الدبلوماسية ستنير الطريق للأجيال القادمة من بعده.

 كانت مقاصده نبيلة وأهدافه واضحة، وكانت الوطنية تجري في دمه والعروبة علامة على جبينه، وكانت- رحمه الله- له بوصلة سياسية تدور حيث تدور مصلحة وطنه السعودية وأمته العربية والإسلامية، لقد كان فارسا بقي على صهوة جواده يقاتل في سبيل مبادئه في مختلف الميادين وعلى مختلف الجبهات حتى الرمق الأخير من مرضه، فهنيئاً لك الخاتمة الحسنة إن شاء الله تعالى يا من توفاك الله في العشر الأواخر من شهر رمضان.

 وختاما لا يسعنا إلا أن نقول إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا لفراقك لمحزنون، فجزاك الله عنا خير الجزاء وغفر الله لك، ونسأل الله أن ينزلك منازل الصالحين والشهداء.