في «الإصلاح الديني»

نشر في 28-09-2015
آخر تحديث 28-09-2015 | 00:01
 د. عبدالحميد الأنصاري دعوة يقدمها الكاتب إلى قرائه للإفادة من كتاب «الإصلاح الديني»، الذي صدر منذ عقد من الزمن، غير أن ما يطرحه لايزال حديث الساعة، إذ يتناول 20 قضية جدلية، عبر منهج تنويري في التشخيص والمعالجة،  معتبراً أنه كتيب يؤسس لمعالم عقلانية للإصلاح الديني المنشود.

هذا كتيب صغير لكنه نفيس، في سلسلة "كتاب التنوير" لمجموعة من رواد الفكر التنويري العربي، صادر من "مركز الحوار والثقافة" بالكويت، ديسمبر 2005، وهو مركز بحثي لمجموعة من شباب الكويت المؤمنين بأن المستقبل للعقلانية التي أمر بها الدين الإسلامي، كما يقول الدكتور أحمد البغدادي، أشهر رموز العقلانية الكويتية، رحمه المولى تعالى، في المقدمة- وقد أسعدني صدور كتاب عنه مؤخراً بقلم الباحث الكويتي القدير د. عقيل عيدان بعنوان عقلاني الكويت- ورغم أن هذا الكتيب قد صدر قبل 10 سنوات فإن موضوعاته وقضاياه حديث الساحة، وتتناول 20 قضية جدلية، تدور حول مواضيع فكرية ودينية وفق منهج تنويري في التشخيص والمعالجة، أبرزها: حرية المعتقد، هل حقاً هذا هو إسلامنا؟

الأديان ليست مهمتها صنع النظريات العلمية، الإسلام والليبرالية، تجديد الخطاب الديني، الحاجة إلى فقه جديد، فضيلة التسامح الديني، العلمانية والدين: الإصلاح الديني والتنوير، الأنا والآخر في الوعي الديني، الدين والحداثة، الإصلاح الديني قبل الإصلاح السياسي، في سبيل فقه إسلامي علماني.

يقول البغدادي في المقدمة: الإصلاح الديني من نوع السهل الممتنع، بمعنى أن الجميع يعتقد بسهولة تحقيقه، لكن الواقع المُعايش يكذبه، ذلك أن هناك جملة من الظروف والمفاهيم المعوقة، ليس فقط، فيما يتصل بالكيفية، بل فيما يتعلق بالمصطلح ذاته، لأن رؤية عالم الدين تختلف في مفهومها عن رؤية الليبرالي المؤمن الذي يتميز برؤية أوسع للنص، فهو ضعيف التأثير في مجتمع يتمسك بالمظاهر الدينية ويعتمد الثقافة الشفهية المبسطة، خلافاً للطرح الليبرالي الذي يدعو المسلم إلى التفكير في النص واستخدام عقله في الفهم والتفسير.

ويشرح المفكر السوري هاشم صالح، منهجه للإصلاح الديني عبر محاضرة للأستاذ جمال البنا- المصلح الديني الكبير- رحمه الله تعالى، ألقاها في باريس، ملخصها: تنقية التراث من كل تلك التراكمات والشروحات وشروحات الشروحات التي تفصل بيننا وبين القرآن الكريم، بحيث أصبحنا نعيش في عصر مضطرب، أصبحت فتاوى أصغر شيخ وكأنها كلام منزل! تجيز قتل هذا أو تبرئة ذاك بدون أي رادع أو وازع، وفي مثل هذه الظروف المدلهمة، يظهر المصلحون الكبار لكي يقدموا التفسير الصحيح لجوهر العقيدة، الذي أصبح مطموراً تحت الركام الهائل لأقوال المفسرين والفقهاء على مدار القرون، وبالتالي فالعودة إلى "النص المؤسس" والقول إنه وحده "الملزم" مع ما صح من السنة النبوية الشريفة، خلافاً لكلام كل البشر، ينقذنا من هذه الفوضى والفتاوى العشوائية التي تهيمن علينا والتي جعلتنا في صدام مباشر مع أمم الأرض قاطبة.

المفكر السعودي الرائع تركي الحمد يتحدث عن "الوسطية" كمنهج محمود في الحياة سواء على مستوى الفرد أو المجتمع، لا أحد ينكر خيرية الوسطية في الأمور كلها، وكان الفلاسفة بدءاً من سقراط إلى هيغل، يرون الوسطية الحل السحري لكل مشاكل الإنسان والمجتمع، فخير المجتمعات وأكثرها استقراراً، هي التي لا تحيد عن الوسطية، وخير الأفراد من كان معتدلاً في سلوكه، وخير الأنظمة السياسية ما كانت وسطية في أنظمتها وتشريعها وسياساتها.

لكنه يعقب، بأن كل هذا "تنظير جميل" لكنه ليس كافياً، التنظير المجرد يحمل في طياته كل الحلول ولا يحمل أي حل في ذات الوقت، فعندما يبدأ الهبوط من سماء التجريد إلى دنيا المحسوس، تثور المشكلة وترتبك الأمور، نحن نتفق حين نكون في دائرة التجريد والعموم، ونختلف حين ننتقل إلى دائرة المحسوس، مثلما نتفق على جمال الغابة من بعيد ونختلف على جمال الأشجار حين نكون في قلب الغابة، أسئلة كثيرة تثار: من يحدد ما هو الوسط الذهبي المبتغى؟ وبأي معيار يكون التحديد؟ وهل هذا الوسط كمي أم كيفي؟

إذا تأملنا خطابات الإسلاميين، نجد الكل يدعي الوسطية، من الخوارج قديماً إلى الجماعات والتنظيمات الدينية المعاصرة وبكل أطيافها وألوانها.

ينتهي مفكرنا إلى أن "الوسطية" مفهوم نسبي، فالوسطية الأميركية غير الهندية أو العربية، وهي قبل ألف عام، غيرها هذا الزمان، ووسطية أفلاطون ليست وسطية أرسطو... لذلك فهو مفهوم مبهم لا معنى له ولا يشكل حلاً للمشكلات، لافتقاد المعيار الموضوعي المحدد له.

ومع اتفاقي مع مفكرنا الجميل في نسبية مفهوم "الوسطية" إلا أني أختلف معه في غموضها وعدم إمكان تحديدها، فالغموض والنسبية لا يعنيان تمييع المفاهيم، وعدم إمكان الاتفاق على معاييرها، لسببين:

 1- أن شأن الوسطية شأن كل المفاهيم والقيم: المساواة، العدالة، الحرية، الخير، الشر... إلخ. فالنسبية قدر الإنسان في الأرض كما يقول.

 2- ومع ذلك فإن البشرية وعلى مر تاريخها، ميزت بين الخير والشر، الصدق والكذب، الحسن والسيئ، الجمال والقبح، لأنه عز وجل لم يترك الإنسان في عمى وضلالة، فقد أودع في الضمائر والعقول الإنسانية منذ فجرها، ما يميز ويصحح ويعرف به الصواب والخطأ والخير والشر، ثم أرسل وحيه عبر الرسل- عليهم الصلاة والسلام- هداة للبشرية، تعزيزا لما أودعه في النفوس والعقول، إذ لو كانت البشرية لا تستطيع التمييز بين مفاهيم الحق والعدل والخير والشر والوسطية والتطرف، ما استطاعت تحقيق المنجزات العلمية والمعرفية التي ننعم بثمارها اليوم.

وبعد: فهذا كتيب ينير العقل، ويرفع الوعي، ويحمل نسائم الحرية والأمل، ويؤسس لمعالم عقلانية للإصلاح الديني المنشود، أدعو القارئ العزيز للإفادة منه.

* كاتب قطري

back to top