لنشارك الشعب الإيراني فرحته
نأمل أن تغير إيران سلوكها الإقليمي في موازاة تغيير سلوكها النووي، بدءاً بصفحة جديدة في العلاقات الإقليمية والدولية، لكن أكثرية المراقبين تخالف هذه الآمال، وترى أنها لن تعدل سلوكها، بل إن إيران الطليقة من القيود والحصار والعقوبات ستزيد تدخلاتها، وستوسع نشاطها المزعزع للاستقرار، وستزيد دعمها لحلفائها ووكلائها في المنطقة.
من حق الإيرنيين أن يحتفلوا ويغنوا ويرقصوا ويرفعوا شعارات النصر، بعد الاتفاق النووي الذي سيحررهم من الحصار الاقتصادي الخانق المفروض عليهم، على امتداد (10) سنوات عجاف بسبب البرنامج النووي غير الشفاف، وما كان لهذا الحصار أن يستمر، ولم يكن مقبولاً إنسانياً، استمرار حصار شعب كبير وعريق في تاريخه وحضارته وأمجاده وثقافته، بسبب سياسات حكومته.آن لهذا الشعب الصبور أن يعيش حياة كريمة، مثل جيرانه على الضفة الأخرى، فقد تحمل كثيراً وعانى كثيراً وضحى كثيراً.
أولاً: بسبب المشاريع الخارجية لحكومته، تحت شعارات "نصرة الشعوب المظلومة" و"مواجهة الاستكبار العالمي" وكان من نتائجها: التدخل في شؤون الآخرين، وتأجيج الكراهيات والفتن الطائفية، وتسليح الميليشيات لزعزعة الأمن والسلام في المنطقة، إضافة إلى تشويه صورة إيران لدى معظم شعوب العالم.وثانياً: بسبب المشاريع العسكرية والنووية التي استنزفت معظم الموارد الإيرانية، وجلبت الحصار والعقوبات الدولية،وإذا كان الرزاق، جل وعلا، اقتضت حكمته العليا توزيع الموارد والثروات على الأمم والشعوب بقدر، فإنه عز وجل، اختص إيران بالموارد والثروات الطبيعية، ورزقها كما لم يرزق دولة أخرى!(36) عاماً من عمر الثورة الإسلامية والشعب يمني نفسه بالرخاء والمعيشة الكريمة، وشباب إيران أعظم ثرواتها، والذين يشكلون النسبة العظمى، شباب حيويون ومتعلمون، مازالوا يعانون البطالة واستشراء الفساد والمحسوبية والعزلة عن العالم.كيف لا يفرح الإيرانيون وبخاصة الشباب، وهم يرون إرهاصات الاتفاق وبوادره، في تلهف الشركات العالمية وتسابقها للاستثمار في السوق الإيرانية، بما يوفر المزيد من فرص العمل وإنعاش الاقتصاد وارتفاع الأجور؟!كيف لا يبتهجون باستعادة ودائعهم المجمدة في بنوك العالم، والمقدرة بـ(150) مليار دولار، وأنه سيفرج عنها، إضافة إلى زيادة حصة إيران في السوق النفطية، بما يمكنها من بلوغ سقف إنتاج، يقدر بـ(3.6) ملايين برميل يومياً، بحلول منتصف العام القادم؟!لنشارك الشعب الإيراني فرحته وآماله في أن تصرف حكومته، هذه الموارد الجديدة- ثمار الاتفاقية- في تحسين الأوضاع المعيشية وخلق فرص عمل جديدة، وتطوير المرافق والخدمات في قطاعات النفط والغاز والاتصالات والمال والمصارف. هذه آمال الشعب الإيراني في حكومته التي وعدتهم على لسان الرئيس روحاني، باتخاذ الخطوات اللازمة لرفاهية الشعب، والذي صرح أيضا "نحن عازمون على أن نسبق دول الجوار والدول النامية في الازدهار الاقتصادي"، وهذا ما يتمناه جيرانهم الخليجيون الذين يحبون للشعب الإيراني ما يحبونه لأنفسهم، ويأملون أن تثمر هذه الاتفاقية فتح صفحة جديدة وبنّاءة في العلاقات الإقليمية، لتعزيز مجالات التعاون التجاري والسياسي والثقافي بين ضفتي الخليج.كما أن هذا ما هدف إليه المجتمع الدولي، ممثلاً في مجموعة (1+5) والتي آثرت أن تقدم تنازلات كبيرة طبقا لمعظم المحللين، من أجل إبرام الاتفاق، أملاً في تعزيز نهج الاعتدال، وتطبيع علاقات إيران بالمجتمع الدولي، وكعامل من عوامل "تسوية قضايا المنطقة من خلال الحوار والتفاهم والتعاون البناء"، طبقاً لتصريح نائب وزير الخارجية الإيراني عبداللهيان.تمثلت أبرز التنازلات بأمور أهمها: 1- احتفاظ إيران ببرنامجها النووي، واعتراف القوى الكبرى بحقها في تملك "المعرفة التقنية النووية"، وحقها في التخصيب بنسبة (3.67%) ومواصلة الأبحاث النووية الحديثة، فالاتفاق يقيد القدرات النووية ويحدها، مدة عقد على الأقل، لكنه لا يفكك برنامجها ولا مفاعلها، ولا يوقف أنشطتها النووية... فقارن هذا الموقف بالموقف الأصلي لأميركا وأوروبا، الذي كان يصر على التفكيك الكامل للبنية النووية الإيرانية ووضع نهاية للتخصيب. 2- احتفاظ إيران بحقها في الإخطار المسبق، مدة (24) يوماً- 14 يوماً للإخطار+ 10 أيام للتحكيم- وذلك حتى تسمح للمفتشين بزيارة مواقع عسكرية، وهذا يعد تجاوزاً للموقف الدولي السابق الذي أصر على حق المفتشين في الوصول إلى "أي مكان وفي أي زمان" في زيارات مفاجئة لمراكز نووية مشتبه فيها. 3- رفع كل العقوبات الاقتصادية والحظر المالي دفعة واحدة وفي يوم الاتفاق.ختاماً: هذه أمنيات وآمالٌ بأن تغير إيران سلوكها الإقليمي في موازاة تغيير سلوكها النووي، بدءاً بصفحة جديدة في العلاقات الإقليمية والدولية، لكن أكثرية المراقبين تخالف هذه الآمال، وترى أنها لن تعدل سلوكها، بل إن إيران الطليقة من القيود والحصار والعقوبات ستزيد من تدخلاتها، وستوسع نشاطها المزعزع للاستقرار، وستزيد دعمها لحلفائها ووكلائها في المنطقة، بدليل خطاب المرشد الأعلى بعد الاتفاق، ولما يجف حبره، هدد وتوعد قوى الاستكبار وتعهد باستمرار المواجهة مع أميركا، وأكد مواصلته دعم أصدقائه ووقوفه مع الشعوب المظلومة في البحرين وفلسطين واليمن وسورية والعراق، مما أثار استياء الخليجيين، ووصف د. عبداللطيف الزياني، الأمين العام لمجلس التعاون، هذه التصريحات بالمتناقضة، ولا تساعد في بناء علاقات تعاون بنّاء مع إيران، كما يضيف المشككون في تغيير السلوك الإيراني بأن المراهنة على ذلك تعدّ نوعا من خداع الذات؛ لأنه يصعب تغيير سلوك نظام عقائدي، مثل هذا النظام، بدون ضغوط شديدة. إلا أنه مع وجاهة هذه الحجج، لنا أن نأمل ونراهن على جملة عوامل مستجدة: الفرحة العارمة للشعب بالاتفاق يصعب على الحكومة تجاهلها، وضغوط الواقع المعيشي للشعب على قيادته، وكذلك اعتبارات المحافظة على النظام؛ مما يستوجب على القيادة إعادة النظر في مجمل السياسات الجارية، إضافة إلى عامل أهم، الموقف الخليجي والعربي الصلب والمتصدي للتدخلات الخارجية.* كاتب قطري