لولا التدخل الروسي الشائن، والتدخل الإيراني أيضاً، لما امتد أمد هذه الأزمة حتى اقترب من الأعوام الخمسة، ولما حصل كل هذا الدمار والخراب، ولما بلغ عدد القتلى والمفقودين والمعتقلين هذه الأرقام الفلكية التي تتداولها وسائل الإعلام والتقارير الدولية، ولما كانت هذه الهجرة الزاحفة التي باتت تجتاح العديد من دول العالم القريبة والبعيدة، وبالتالي لما حلّت هذه المآسي الإنسانية بشعب عظيم تحمل خلال حكم حافظ الأسد وابنه ما لم تتحمله الجبال الرواسي.
وإذا أردنا أن نقول الحقيقة، بدون أي حسابات جانبية، فإن المسؤول عن استمرار المأساة السورية كل هذه الأعوام، وعن عدم حسم الأمور لمصلحة الشعب السوري منذ البدايات، هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف، واستطراداً هو إيران، التي اتبعت، على مدى أعوام ثورتها سياسة "ميكافيلية" على أساس أن الغاية تبرر الوسيلة، وأنه لا مانع من أن يصبح السوريون كلهم من ساكني القبور، ما دام هذا يسهل سيطرة الإيرانيين على هذه المنطقة، واستعادة ما يعتبره "المعممون" في طهران أمجاد فارس القديمة. حاولت روسيا إدخال نظام بشار الأسد من خرم الإبرة وإلزام المعنيين بالأوضاع المتفاقمة في سورية تشكيلَ تحالف جديد عنوانه الخادع "مواجهة داعش"، رغم أن المعروف أن هناك تحالفاً دولياً كان قد تشكّل منذ نحو أكثر من عام يضم عشرات الدول، كما أن هذا التحالف مستمر في الانخراط، يومياً، في حرب جوية، وأحياناً برية ضد هذا التنظيم الإرهابي، ما يعني أنه كان بإمكان روسيا الالتحاق به منذ البدايات، بدلاً من البحث عن تحالف جديد لا غرض ولا مهمة له إلا إعادة تأهيل نظام قاتل بات تأهيله، بعدما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، من سابع المستحيلات. الآن يعلن سيرغي لافروف، بدون أن يرف له جفن، أنه لا بديل عن الأسد لمواجهة "داعش"، رغم أن الأسد نفسه كان قد قال في آخر خطاب له، إنه لم يعد يمتلك الموارد البشرية لتعويض الخسائر التي حلَّت بجيشه، بل إنه قال، أيضاً، إنه اضطر لسحب قواته من العديد من المناطق السورية لتركيزها في المناطق الأكثر أهمية، أي في المناطق التي لا يزال له ولنظامه وجود فيها، سواء في دمشق أو في الشريط الممتد من العاصمة إلى اللاذقية. والسؤال الذي يجب أن يوجه إلى وزير الخارجية الروسي، الذي كشف في الأيام الأخيرة كل أوراق بلده تجاه الأزمة السورية، هو: كيف يمكن القول إنه لا بديل عن بشار الأسد للقضاء على "داعش" وهو لا يسيطر إلا على أقل من 20 في المئة من سورية، وفرقته "الرابعة"، التي تشكل باقي ما تبقى من الجيش السوري، لم تستطع، رغم مساندة "حزب الله" بكل إمكاناته، حسم المعركة في بلدة صغيرة كالزبداني، رغم مرور نحو شهرين من بدء هجومها "البطولي"! على هذه البلدة؟! وهكذا فإنه لا ضرورة لا للف ولا للدوران، إذْ كان بإمكان لافروف أن يقولها علانية وعلى رؤوس الأشهاد، إن هدف بلده من كل هذه الحركة، بلا بركة، وإنشاء قواعد جديدة في منطقة اللاذقية، هو الحفاظ على الوجود الروسي على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، الذي ثبت أنه أكبر مستودع للطاقة في العالم بأسره، والمسارعة لأخذ موقع في "الكانتون" المذهبي الذي من الواضح أنه أصبح الخيار الرئيسي لهذا النظام بمباركة إيرانية ودعم روسي.
أخر كلام
هذا ما يعنيه لافروف!
14-09-2015