ما لم يتوقعه الذين عطلوا، بترددهم وسياساتهم الخرقاء البليدة، الحسم المبكر في سورية هو أن يطفح الكيل على هذا النحو، وأن تصبح الأزمة السورية، التي تواصل تفاقمها على مدى أربعة أعوام وأكثر، تهديداً أمنياً لأوروبا كلها التي كانت تنبأت، ويا للعجب، بهذه الهجرة التي تحملها أمواج البحر الأبيض المتوسط منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وقد يصل هذا التهديد حتى إلى روسيا والدول والكيانات "الإسلامية" التي تدور في فلكها... "ويرونها بعيدة ونراها قريبة"!

Ad

ألم يكن على الولايات المتحدة الدولة التي تعتقد أنها ستبقى في مأمن من هذه العواصف المدمرة التي تضرب هذه المنطقة طالما هي تختبئ هناك بعيداً وراء بحور الظلمات ومعها أوروبا الغربية، أن تتوقع هذا الذي يجري الآن بعدما تحولت الأزمة السورية إلى أزمة عالمية؟، وأن تسارع- حتى وإن استدعى الأمر استخدام القوة المفرطة- إلى حسم مبكر لهذه الأزمة التي أنجبت، مع طول الوقت وتراخي الأميركيين وتردد الأوروبيين وتآمر المتآمرين، "داعش" وكل هذه التنظيمات الإرهابية.

وحتى روسيا التي بقيت تعطل أي حسم فعلي مبكر لهذه الأزمة، التي غدت بحجم كرة ثلج بدأت صغيرة، وأصبحت بهذا الحجم بعد تدحرجها من قمة جبل شاهق حتى أسفله، فإن عليها ألا تستبعد أن تباغتها هذه الملايين الزاحفة بعدما تعبر الأراضي التركية وتصل إلى القوقاز وتتجاور الشيشان والداغستان.

ألم يدفع الضغط الذي مورس على شعوب هذه المناطق في الحقبة الستالينية المظلمة، وقبل ذلك وبعده، هذه الشعوب إلى هجرات جماعية في اتجاه تركيا وفي اتجاه سورية والعراق والأردن وفلسطين ومصر؟!

ربما يشعر سيرغي لافروف بمتعة ما بعدها متعة عندما يفرض على مجلس الأمن الدولي وعلى الولايات المتحدة وعلى أوروبا الغربية وعلى العرب الذين يهمهم بالفعل هم الشعب السوري، عجزاً متواصلاً تجاه هذه الأزمة، وربما بادر إلى إطلاق ضحكات مدوية حتى استلقى على ظهره عندما رأى ما أصبحت عليه حال المبعوث الدولي ستيفان ديميستورا بعد إطلاقه، أي وزير الخارجية، التصريحات التي رد بها على مبادرته أو خطته الأخيرة، هذه التصريحات التي قال فيها دون أن يرف له جفن: إن بشار الأسد هو الرئيس السوري الشرعي، وإن جيش سورية هو القوة الفعلية الوحيدة القادرة على مواجهة "داعش" والتنظيمات الإرهابية الأخرى!

على (الرفيق) لافروف أن يدرك أن المزيد من التعطيل لحل الأزمة السورية، وأن المزيد من تفاقم هذه الأزمة وتشعبها سيستدرج بلده روسيا، إن عاجلاً أو آجلاً، إلى قلب ألسنة النيران، وهنا فإن ما تحدثت عنه "تحليلات" صحيفة "يديعوت أحرونوت" قبل يومين، والتي تنبأت بتورط عسكري روسي واسع النطاق في هذه الدولة العربية التي ابتليت بنظام استبدادي أوصلها إلى هذه الأوضاع المأسوية التي وصلت إليها، لن يقل مأسوية عن تورط الاتحاد السوفياتي في أفغانستان!

الآن وفي ضوء "الخطة" أو المبادرة التي توصل إليها ديميستورا، بعد مشاورات دؤوبة شملت كل الأطراف المعنية بهذه الأزمة التي غدت تتحول إلى أزمة عالمية، بعدما أصبحت تضغط على أعصاب دول أوروبا الغربية وعلى الولايات المتحدة، فإن المفترض ألا تظل روسيا تركب رأسها وألا يظل وزير خارجيتها يطلق هذه التصريحات المعرقلة والمعطلة، وألا يبقى بعض العرب يختبئون وراء أصابعهم، فالقادم القريب سيكون أعظم إن لم يضع الجميع ثقلهم إلى جانب المندوب الدولي ومن يؤيده ويقف معه، وعلى أساس أنه لا مكان لبشار الأسد لا في الحل ولا في مستقبل سورية، "وأنه لا مساومة إطلاقاً على هذا الأمر".