لا يمكن، بأي حال من الأحوال، استعراض الأحداث الاقتصادية التي شهدها عام 2015، دون أن تقفز إلى الأذهان ملامح عام 2014، فالفائت ما زال فارضاً نفسه وطابعاً بصماته على ساحة الاقتصاد العالمي إلى الآن.
وعلى الرغم من أن هذا العام، الذي يوشك أن يأفل، شهد العديد من الأزمات الكبرى التي امتد أثرها لتشمل مُعظم دول العالم وعكست حالة الهبوط المفاجئ لمعدلات الإنتاج لأغلب هذه الدول وانهيار بورصات أوروبا والصين في أغلب فترات السنة، فإن كل تلك الأزمات هي اتصال لما قبلها، وتداعيات لما سبقها، ليس ذلك فحسب إنما من المتوقع أن تكون اتصالاً لما بعدها وتداعيات لما يليها.واتساقاً، يمكن القول، إن عام 2015 هو، «الوريث الاقتصادي» لعام 2014، بل تفوق عليه لناحية النتائج والتداعيات التي شهدتها اقتصادات العالم، حتى ان معظم التوقعات الخاصة بشأن الأداء والمعدلات المتدنية لتلك الاقتصادات قد تحققت بنسب كبيرة.وكما انتهى عام 2014، بشنّ الولايات المتحدة الأميركية إحدى حروبها الاقتصادية بالبدء في إنتاج «النفط الصخري»، ليتصدر الهبوط الحاد لأسعار النفط، مقدمة التحولات الاقتصادية التي «هزّت» العالم حينها، والتي مازالت تعانيها الأسواق والاقتصادات حتى الآن، ولأن آلة الحرب الاقتصادية الأميركية لا تهدأ، ينتهي عام 2015، بموافقة الكونغرس الأميركي برفع الحظر، المفروض منذ 40 عاماً، عن تصدير النفط المحلي للخارج، ليبشّر، ذلك الإجراء، بالمزيد من التراجعات في الأسعار خلال 2016، ومن ثم، تواصل إرث 2014 الذي يأبى التبدد.وفضلاً عن أسعار النفط، كأحد أهم الأسباب الرئيسية لتدهور أسعار النفط العالمية، ثمّة العديد من الأسباب الأخرى، التي تتوزع بين سياسية واقتصادية مع ترجيح أكثر للسياسية، يمكن إيجازها في: انكماش الاستهلاك العالمي، وتباطؤ نمو الاقتصاد الصيني وانهيار بورصة شنغهاي، واستمرار خمول الاقتصاد الياباني، وسياسات التقشف في أوروبا، ورفع العقوبات الاقتصادية عن وإيران وتشديدها على روسيا، وأخيراً تمسك منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك» بمستويات الإنتاج.وكان الانخفاض الكبير في أسعار النفط من قرابة 110 دولارات في مطلع 2014 وصل لما دون 37 دولاراً يومنا هذا، أبرز الأحداث الاقتصادية خلال العام المنصرم، انعكاسات كبرى لهذا الانخفاض على الأسواق المالية، وإعادة توزيع الدخل على المستوى الدولي والتسبب في اضطراب كبير للدول الرئيسية المنتجة.أيضاً الكثير من الأحداث نالت نصيباً كأهم التحولات الاقتصادية التي شهدها 2014، التي يمكن إيجازها في: رفع سعر الفائدة الأميركية، واستمرار قفزات الدولار التي مكنته من تثبيت أقدامه على عرش العملات في العالم، وإدراج اليوان ضمن سلة العملات الدولية في صندوق النقد الدولي، وانحدار الروبل الروسي نتيجة التداعيات الكبرى التي يشهدها الاقتصاد بسبب العقوبات الغربية، وخروج الاتحاد الأوروبي من تداعيات أزمة الديون اليونانية باتفاق إنقاذ مشروط، إضافة إلى انتقال عدوى ضعف النمو الصيني إلى الاقتصادات الناشئة، ودخول العالم في أزمة لاجئين نتيجة تنامي أعداد المهاجرين خصوصاً إلى أوروبا، فضلاً عن توقيع اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ بعد سبع سنوات من المفاوضات، وإطلاق بنك البنية التحتية الآسيوي، وإعلان الأمم المتحدة خطة عالمية لمواجهة الفقر وانخفاض أعداد الفقراء حول العالم، إضافة إلى التوصل لاتفاق عالمي حول التغير المناخي.
اقتصاد
2015... عام الإرث الاقتصادي الثقيل
31-12-2015