بما أن حكومة تركمانستان تتحكم بكل وسائل الإعلام داخل البلد؛ ويحاول الحكام منع نقل الأخبار السيئة فيها، فإن "إذاعة أوروبا الحرة"، الشبكة التي تمولها الولايات المتحدة، تعتبر المزود الوحيد للأخبار الدقيقة، فيتابع الناس داخل البلد هذه الإذاعة على الموجات القصيرة أو شبكة الإنترنت من خلال فريق جريء من المراسلين الذين يتناولون الانتهاكات التي ترتكبها الحكومة.
عندما انهار الاتحاد السوفياتي قبل نحو ربع قرن، بنت أمة تركمانستان أمالاً كبيرة، فمع أنها محاطة باليابسة من كل الجوانب ولا تعد سوى 5 ملايين نسمة، أملت أن تستغل احتياطها الضخم من الغاز الطبيعي لتحقق الازدهار: كانت "كويتاً وسط آسيا" الحلم.لكن حكماً مستبداً ظالماً ترافق أخيراً مع تراجع كبير في أسعار النفط والغاز أوصل تركمانستان إلى حائط مسدود، وبما أن روسيا تعاني اليوم مشاكلها الخاصة، بقيت الصين المستهلك الوحيد لغاز تركمانستان، ونتيجة لذلك بدأت العائدات بالتراجع، وهكذا اضطرت الحكومة إلى وقف تقديم خدمات المنفعة العامة مجاناً للمواطنين، فضلاً عن أن بعض الشركات التي تملكها الدولة تواجه صعوبة في دفع رواتب موظفيها، في هذه الأثناء يُقال إن المقاتلين الإسلاميين بدأوا يتقدمون على طول حدود تركمانستان الكبيرة مع أفغانستان.رداً على هذه الأخبار السيئة، حاول الحكام منع نقلها، إذ تتحكم الحكومة بكل وسائل الإعلام داخل البلد؛ لذلك يزداد اليوم اعتماد التركمان على تقارير إذاعة أوروبا الحرة-إذاعة الحرية، شبكة تمولها الولايات المتحدة، تتخذ من براغ مقراً لها، ولا تزال في أجزاء كثيرة من العالم المزود الوحيد للأخبار الدقيقة، وقد قدّم فريق جريء من ثمانية مراسلين تقريراً عن حالة الاقتصاد، متناولين في تحقيقهم عمالة الأولاد والانتهاكات القضائية، كذلك راقبوا تنامي التوتر على الحدود، وتابع الناس داخل البلد هذه الإذاعة على الموجات القصيرة أو شبكة الإنترنت.لكن الحكومة صعدت عملية القمع في الآونة الأخيرة، فبدأت تصادر الصحون اللاقطة، زاعمة أن هذا جزء من حملة "تجميل"، بالإضافة إلى ذلك تعرض المراسلون للمضايقة، وهُددوا، وسُجنوا. على سبيل المثال، اختفى صابر محمد نيبيلسكولياف في شهر يوليو، وقد سمع الأقارب أخيراً أن المحكمة أمرت بسجنه مدة ثلاث سنوات، وحسبما أخبرنا مدير الخدمات التركمانستانية في إذاعة أوروبا الحرة محمد طاهر، كذلك أُرغم صحافي مخضرم آخر، عثمان كولي هالياف، على الاستقالة، وطُرد عدد كبير من أقاربه بسبب عمله، علماً أن هالياف كان يعيل وحده 16 شخصاً، وفق طاهر، واستُدعي هالياف بعد ذلك إلى مقر الشرطة حيث قيل له: "إما توقف عملك مع إذاعة أوروبا الحرة أو تذهب إلى السجن".ولكن لمَ تظن حكومة تركمانستان أنها قادرة على قمع شبكة أميركية من دون أن تواجه أي عواقب؟ ربما لأنها راقبت أذربيجان، دولة سوفياتية سابقة أخرى في الجانب المقابل من بحر قزوين، وهي تطبق مناورات مماثلة من دون أن تواجه أي تداعيات سلبية من إدارة أوباما. يدين مسؤولو وزارة الخارجية الأميركية من حين إلى آخر أحوال حقوق الإنسان المتردية في هاتين الدولتين وغيرهما، غير أن السياسة الأميركية لا تتأثر بها مطلقاً، ونتيجة لذلك يبدو الطريق متاحاً أمام استهداف صحافيي إذاعة أوروبا الحرة-إذاعة الحرية الشجعان، ويظل ملايين الناس بدون مصدر موثوق به ينقل لهم الحقيقة.
مقالات
كبح الحقيقة في تركمانستان
18-10-2015