فارس كرم في «عالطيب»... ابتذال وإفلاس فنّي

نشر في 21-08-2015
آخر تحديث 21-08-2015 | 00:01
أغنية فارس كرم «عالطيب» مثال واضح للتدهور في المستوى الفنّي الذي يتجلّى في سخافة المضمون والانحلال الأخلاقي في كلمات الأغنيات، واعتماد الإيحاء الجنسي سبيلا للوصول إلى الناس وتحقيق نسبة انتشار أكبر. وجاء كليب الأغنية الذي وقّعه جو بو عيد ليترجم الانحطاط على المستويات كافة، ويؤكد غياب الرقي والإبداع على مستوى الإخراج أيضاً، وذلك يجعل الساحة الفنية اللبنانية تعيش حاضراً من الإفلاس الفني.
 شكّل الفنّ أحد مكونّات المجتمع، فمثلما نشهد تراجعاً اقتصادياً واجتماعياً وأخلاقياً وثقافياً في البلد، نرى تراجعاً في المستوى الغنائي أيضاً،  فبعض نجوم الساحة الفنية، وتحت شعار أنهم ملوك الأغنية الشعبية، يلجأون إلى أغنيات لا تحمل في مضمونها سوى سخافة وسجع لا طعم له ولا لون، إضافة إلى «الجنس» الذي يشكّل لدى جزء كبير من النجوم، الموضوع الأهم  والأبرز في أعمالهم الفنية، فلا نسمع سوى كلام يحمل في طيّاته صوراً وإيحاءات أقل ما يقال عنها أنها سوقيّة، مثيرة للاشمئزاز وقمّة في قلّة الحياء.

طعنة للأغنية اللبنانية

هذه النوعية من الأعمال التي يقدمها من يعتبر نفسه من نجوم الصف الأوّل ووجهاً فنيّاً مشرفاً من لبنان في الخارج، شكلّت طعنة مباشرة للأغنية اللبنانية التي أصبح موقعها ضعيفاً عربياً، بسبب تراجع الأعمال النوعية الجيّدة التي تواظب قلّة من الشعراء والملحنين على تقديمها، فيما يعمل آخرون وفق مبدأ تجاريّ، لذا يكتبون مواضيع سخيفة  تتمحور حول جراحات التجميل والبوتوكس والواتساب والتنورة والفستان... وهي ليست سوى مونولوجات سخيفة وبعيدة عن الأغاني الأصيلة التي انتقلت من جيل إلى جيل...

فارس كرم المثال الأكثر وضوحاً عن هؤلاء النجوم الذين يقدمون هذه النوعية الرديئة من الأغنيات، فبعدما غنّى «يقبرني العرق لي زرزب على وجك شو رسم خطوط» و«جسمو بتيابي مولعني» «وعاجبني الحلوين شفافو ومكشّف عن نص كتافو» و«الفتحة لي تحت الرقبة، قلبي لعنتي سلّافو»... جاء اليوم بأغنية حملت عنوان «عالطيب»، وطبعاً قصد بكلمته الجنس اللطيف فخاطبهن قائلاً: «قرب قرب عالطيب دقلك شقفة من الطيّب» وكأننا نعيش في زمن الجواري، وليكمل مخاطبته للمرأة قائلا: «قدامي في أمورة خدها مثل النمورة بدي شقفة زغيورة»، ويضيف: «قدامي في بنوتي جسما مثل البسكوتي عبالي شي فتفوتي»، وينهي غزله قائلا: «طيبتهم هل صبايا مثل عيش السرايا أكلن زاد الخطايا»...

 أغنية هابطة بالمعايير كافة وغير مقبولة فنيّاً، تضيء على غزل رخيص بدل الجمالية في محاكاة الحبيب... لا شك في أن بُثّ هذه الأغنية بشكل كثيف عبر الإذاعات وعرضها على الشاشة،  وصور الجماهير الغفيرة التي نراها في مهرجانات فارس كرم... كلها أمور  لا تدل على نجاحه أو تميزه، بل على تدهور فني حقيقي في الذوق العام الذي يتهافت لسماع هكذا نوعية رديئة من الأغنيات فيرقص عليها ويصفّق لها. لكن هذه النوعية،  بشهادة كبار الملحنين والشعراء، تموت في مهدها كونها تصبح طيّ النسيان ما إن يتوقف دعمها  مادياً في الإعلام.

كليب...

أما كليب الأغنية فحدّث ولا حرج، نساء تحلب الأبقار، إيحاءات جنسية تجلّت بشكل جلي من خلال النظرات والعضّ على الشفاه، وفتاة جميلة تتمايل وتتصرَّف بطريقة غير لائقة... من المعيب للمخرج جو بو عيد تنفيذ هكذا عمل أقل ما يمكن وصفه بأنه فاشل بامتياز من جهة، ومثير للاشمئزاز من جهة أخرى، ويشكّل سقطة حقيقية له في  مجال الإخراج الذي، للأسف، يغيب عنه المتميزون ويكثر المستنسخون والوقحون.

ليس المهم أن نسافر لنصور الأعمال خارج لبنان، فلدينا جمال في الطبيعة والأماكن ما يكفي، وليس المهم صرف الأموال  والكلفة المادية على الكليبات، التي رغم أهميتها في تقديم صورة جميلة، ليست السبب الرئيس لنجاحها، فأعمال كثيرة نفذّت بانتاج متواضع وأسرت القلوب نظراً إلى فكرتها الجميلة والبسيطة، وعندما يكون الفنان  حقيقياً وحساساً وصادقاً، يمكن الانطلاق من هذه العناصر لتقديم كليب متواضع بقالب مبتكر وعميق، يرتكز على الأحاسيس الصادقة،  ويصل إلى شريحة أكبر من الناس، شرط أن يكون المخرج مبدعاً بأفكاره، حساساً في مشاعره، وجريئاً في طرحه، لكن بشكل لا يتخطّى حدود خدش حياء المشاهد بطريقة مبتذلة ورخيصة.

back to top