يحقق «داعش» دخلاً يقترب من 1.5 مليار دولار سنوياً جراء بيع النفط، ما يسمح له بتشغيل آلته الحربية التي تنهك أعداءه، وتمكنه من التوسع، لذا يجب منعه من بيع هذا النفط، مع إحكام الحصار على مناطقه، لحرمانه موارد الطاقة والمعدات التي يستخدمها في حروبه.

Ad

في شهر فبراير الماضي، كان وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري يتحدث إلى لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، عن استراتيجية إدارة أوباما في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، حين أكد أن بلاده "لن تخوض صراعاً برياً واسع النطاق في منطقة الشرق الأوسط، وأنها لا تحبذ قتالاً على المدى الطويل في تلك المنطقة".

وقد لخّص كيري ما يريد أن يقوله في هذا الصدد في مقولة واضحة جداً؛ إذ أكد أن واشنطن "لا تريد تكرار تجربتي أفغانستان والعراق".

لكن كيري فاجأ كثيرين، حين تحدث يوم الخميس الماضي، في بلغراد، على هامش اجتماع وزاري لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، داعياً إلى "نشر قوات برية عربية- سورية، لمواجهة (داعش)"، معتبراً أنه "لا يمكن كسب هذا النزاع بشكل كامل بالضربات الجوية فقط".

إن جون كيري محق في أنه لا يمكن دحر خطر "داعش" اعتماداً على الضربات الجوية فقط، لكن الهجوم البري أيضاً ليس حلاً سليماً.

من المرجح أن يستنسخ الهجوم البري على مناطق "داعش" كوارث وفواجع العراق وأفغانستان مجدداً، ولا توجد أي إشارات متفائلة بخصوص مثل هذا الهجوم.

لا يوجد أيضاً تبرير واضح لدعوة كيري إلى نشر قوات برية، بعدما أكدت بلاده مرات عديدة عدم نجاعة "الحل البري"، وخطورة الاعتماد عليه.

لم يكن كيري وحده من طرح حل "الهجوم البري"، بل إن وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر أيضاً قال إنه ينتظر من "التحالف"، وخصوصاً دول الخليج العربية، "نشر قوات برية في مواجهة (داعش)"، وهكذا أيضاً فعل مسؤولون أتراك، خلال الأسبوع الماضي، عندما تحدثوا عن "شن هجوم بري محتمل قريباً".

التبرير الوحيد المقبول لهذا التغير الحاد في المواقف حيال "التدخل البري" يمكن أن يكون محاولة الولايات المتحدة وبعض حلفائها "إرباك التدخل الروسي وتطويقه".

يبدو أن روسيا تدرك هذا جيداً، ولذلك، فقد سخّرت وسائل إعلام روسية نفسها، على مدى الأيام الفائتة، لانتقاد الدعوات الأميركية للتدخل البري، بعدما وسعت انتقادتها للجانب التركي، متهمة إياه بـ "دعم (داعش) والتجارة معه".

يبدو إذن أن كيري، أو بعض معاونيه، سيضطرون إلى القيام بزيارات مكوكية لبعض العواصم العربية الرئيسية قريباً، أو سيتم استغلال لقاء دولي ما للحديث بشأن الفكرة.

سيسمع قادة السعودية والإمارات وقطر ومصر والأردن طلبات واضحة، على الأرجح، لتكوين تحالف عربي (مشابه لهذا الذي يحارب في اليمن)، يمكنه نشر قوات برية في الأراضي السورية والعراقية المعنية.

يجب التفرقة إذن بين عنصرين أساسيين في طرح الولايات المتحدة الجديد؛ العنصر الأول يتعلق بتقييم وجيه يقول إن "من الصعب هزيمة (داعش) عبر الضربات الجوية فقط"، أما العنصر الثاني فيختص بالإيعاز إلى دول عربية لـ"نشر قوات في الأراضي العراقية والسورية لمواجهة (داعش)".

وبتحليل العنصرين تحليلاً موضوعياً، سيمكننا أن نستخلص أن واشنطن "تستخدم حقائق لكي تصل إلى نتيجة زائفة".

كلنا يعلم أن الخطة الأميركية المعلنة، ورديفتها الغربية، لمواجهة "داعش" لا يمكنها أن تحقق النتائج المرجوة، وأن القصف الجوي الغربي، حتى بعد هجمات باريس، لا يمكن أن ينهي التنظيم أو يحد من فرص بقائه وازدهاره.

لكن الحل لا يكمن بالضرورة في "نشر قوات برية قوامها الأساسي عربي"، وإنما يكمن في تعديل خطة استهداف "داعش"، لتصبح خطة فعالة وناجعة.

سيستلزم هذا، على سبيل المثال، اتخاذ تدابير قوية لوقف تدفق المقاتلين على الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم.

في منتصف شهر أكتوبر الماضي، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث أمام قادة "رابطة الدول المستقلة" في كازاخستان، حين قدّر عدد مواطني روسيا وغيرها من بلدان الرابطة الذين يحاربون في صفوف "داعش" بما يتراوح بين خمسة إلى سبعة آلاف مقاتل. أضف إلى هؤلاء ما يتراوح بين ألفين إلى ثلاثة آلاف مقاتل أوروبي، وفق معظم التقديرات، فضلاً عن المئات من العناصر القادمة من أميركا الشمالية.

لقد وصل إلى أراضي "داعش" إذن نحو عشرة آلاف مقاتل، دخلوا جميعاً، على الأرجح، من تركيا، لكن أحداً لا يطالب أنقرة باتخاذ تدابير للحد من هذا التدفق.

إن تجفيف مصادر الدخل الذي يصب في خزائن "داعش" سيكون عملاً أكثر تأثيراً من بعض الطلعات الجوية، التي أخفقت في هزيمة التنظيم حتى الآن، ولا يبدو أنها قادرة على تحقيق ذلك الهدف.

يحقق "داعش" دخلاً يقترب من 1.5 مليار دولار سنوياً جراء بيع النفط، وهو دخل يسمح له بتشغيل آلته الحربية الفعالة، التي تنهك أعداءه، وتعزز صموده، وتمكنه من التوسع.

يجب منع "داعش" من بيع النفط، كما يجب إحكام الحصار على مناطقه، لحرمانه من موارد الطاقة والمعدات والسلع الاستراتيجية، التي يستخدمها في حروبه وتعزيز قدرات دولته.

يمتلك "داعش" منظومة إعلامية ضخمة وفعالة، يستخدمها كأداة قتال رئيسية، وهي منظومة ناجحة وقادرة على تجنيد عناصر جديدة، وخلق مجال من التعاطف، وترويع الشعوب المستهدفة، وتقويض الروح المعنوية للقوات التي تستهدف التنظيم داخل أراضيه وعلى حدوده وفي المناطق الأخرى التي ينشط فيها.

من الممكن الحد من قدرة "داعش" الإعلامية، وإفقاده القدرة على استخدام أنشطته الاتصالية بشكل فعال، عبر حجب مواقعه، وغلق صفحاته، وحظر حساباته، ومن خلال بعض العمليات النوعية، التي تستهدف استراتيجيته الإعلامية والقائمين عليها.

يعتمد "داعش" تكنيكات "الحرب اللامتماثلة" في مواجهاته كلها، لذلك؛ فمن العبث مواجهته بجيوش نظامية، ستصبح فريسة سهلة لعملياته الخاطفة والمراوغة بكل تأكيد.

إن تكثيف الضربات الجوية، المعتمدة على المعلومات الدقيقة، بموازاة أنشطة "الحصار وتجفيف المنابع"، فضلاً عن "إسكات مدافع التنظيم الإعلامية"، سيؤدي إلى هزيمة "داعش" من دون حاجة إلى نشر قوات برية.

المقصود بدعوة نشر القوات البرية الإضرار بالموقف الروسي وإرباكه، وليس هزيمة "داعش"، وعلى الدول العربية المدعوة لنشر مثل تلك القوات أن ترفض الخوض في مثل هذا المستنقع.

* كاتب مصري