التشكيلي الكويتي جعفر إصلاح: أمضيت حياتي في السفر والرسم

نشر في 11-01-2016 | 00:01
آخر تحديث 11-01-2016 | 00:01
No Image Caption
كرّم ملتقى الأقصر للتصوير في دورته الثامنة، الفنان الكويتي جعفر إصلاح على مسيرته الفنية التي بدأها منذ عام 1970، فأثرى خلالها الساحة التشكيلية، مقدماً اللوحة والتمثال والصورة الفوتوغرافية، إيماناً منه بأن المبدع ليس كائناً وحيد الخلية، فجاءت أعماله التي تحمل أبعاداً إنسانية وفلسفية لافتة للمتلقي العادي والمتخصص على حد سواء.
«الجريدة} التقته في حوارها التالي على هامش ملتقى الأقصر للتصوير.
كرّمك أخيراً ملتقى الأقصر للتصوير، كيف تلقيت هذا الاحتفاء؟

كانت مفاجأة لي دعوة ملتقى الأقصر للتصوير، حيث تسألت عن سبب الدعوة، وعلمت أنها تكريم لي على أساس نشاطي كفنان لمدة 50 عاماً، فسعدت، لأن الأقصر بالنسبة إلي كمدينة عاصمة أعظم حضارة إنسانية، وحضوري هنا اعتبرته دعوة من مصر أم الحضارات. وعندما جئت شاهدت المكان، فوجدته ممتازاً، ولم أتوقع أن يتم الملتقى فيه. كذلك لم أهتم مسبقاً بمعرفة المدعوين للمشاركة، ولكن عندما شاهدتهم وجدت أنهم يمثلون أجيالاً متفاوتة، وبالنسبة إلي أنهم جاؤوا ليقدموا إنتاجاً فنياً خلال أسبوعين. ولكن أعتقد أن هذه المدة غير كافية لاستيعاب ذلك المكان المهم. وعلى جانب آخر تشغلني العلاقة الإنسانية والتواصل بين الفنانين من خلال هذا الملتقى.

ماذا عن مشاركتك السابقة

في الفعاليات المصرية؟

جئت إلى مصر للمرة الأولى من خلال مشاركتي كقوميسير للكويت في بينالي القاهرة الأول عام 1984، ولا شك في أنها مركز حضاري كبير، ولها دور في إقامة هذه الفعاليات. لا أعتقد أن الدول العربية تملك هذا الدور بذات القوة.

 في مصر القوة الناعمة والثقافة والصحافة، وأرى أنها أقوى دولة عربية في الحضور الثقافي.

من هذا المنطلق قدّمت كتابك المصور {روح مصر}؟

نعم. كنت هاوياً لطوابع مصر منذ الصغر، وعندما سافرت إليها للمرة الثانية بعد بينالي القاهرة عام 1984، رحت أبحث عن وثائق عن الكويت، فزرت عدة أماكن مختلفة منها سور الأزبكية وفي النهاية لم أجد شيئاً، وعندما شاهدت صوراً لشخصيات وفنانين مصريين خلال رحلة البحث احتفظت بها، خصوصاً الصور الفوتوغرافية القديمة الخاصة بفترتي الخمسينيات والأربعينيات، وقد تكونت لديَّ كمية كبيرة، ولم أرد أن أستأثر برؤيتها بمفردي، فنشرتها ليراها أكبر عدد ممكن، وكانت بالنسبة إلي تكريماً للثقافة المصرية.

لماذا تختار لأعمالك الأخيرة ألوان الأكريليك؟

معظم أعمالي من خامة الأكريليك، بسبب كثرة سفري، لأن الزيت يحتاج إلى أن يجف.

تجدني طوال الوقت في سفر لمدة أربعين عاماً وأرسم خلال السفر، وإذا رسمت بالزيت أحتاج إلى الانتظار لمدة أسبوع حتى يجف. أرسم بالأكريليك، لأن جفاف اللوحة يسهل عليّ استكمالها في البلد الثاني الذي أسافر إليه، ولكن على الجانب الآخر للأكريليك عيوب أخرى، ومنها إذا أخطاً الفنان في اللوحة لا يستطيع تغطية الخطـأ بينما في الزيت يمكنه ذلك.

تحمل أعمالك قدراً من البساطة، فما فلسفتك في ذلك؟

لو قارنا التشكيل بالأدب أقول إن ثمة كتاباً يكتبون مئة صفحة كي يحكوا حكاية، وآخرين يكتبون القصة القصيرة، وغيرهم يكتبون القصة القصيرة جداً، ولجميعهم هدف وهو إيصال جوهر العمل الأدبي إلى القارئ. وأنا كفنان، لا أريد أن أفقد وقتي وأملأ اللوحة بالكلام من دون وضوح الفكرة.

أركز على توضيح الفكرة بطريقة بسيطة على أساس دخول المتلقي إليها بسهولة، انطلاقاً من مقولة «ما قل ودل». أسعى إلى تسهيل الأمور على نفسي والمتلقي في الوقت ذاته، الفن ليس غوغائية، كي نقدمه من دون معنى أو هدف، ولكنه يعتمد على شخصية الفنان.

لماذا ترتبط أعمالك الفنية بترحالك المستمر؟

سألت الدكتور مصطفى عبد المعطي، قوميسير ملتقى الأقصر للتصوير، لماذا وجهت إلي دعوة لحضور هذا الملتقى، أنا لست فناناً، ولكني نصف فنان ونصفي الثاني مسافر، وفني يغذي سفري والعكس؟ فقال لي نعتبرك فناناً كاملاً، والفن ليس مهنة، ولكنه نوع من التأمل والفكر والعلاقة بالنفس. الفن هو البحث عن الذات.

يعكس الفنان ذاته، والسفر علمني الكثير وأنا طوال الوقت أسعى إلى ذلك، وتتفاعل ديناميكية السفر مع تجربتي وتؤثر فيّ. لذلك عندما أرسم لا أكرر نفسي، وكل عمل أقدمه بحد ذاته رحلة. عندما أنتقل من مكان إلى آخر أعيش أجواء مختلفة.

الإنسان هو العالم المصغر للكون. كل ثلاثة أشهر أدخل في عالم آخر، وأبدأ أفكر فيه، وأتقبله بعاداته وقيمه وعقائده وإيجابياته وسلبياته.

 أرى ذلك من خلال الإطار الذي يحيا فيه أصحابه، وهو أمر يعلّم الفرد أن يتفاعل بطريقة محترمة مع المكان بكل ما يشمله.

تحمل لوحاتك مضامين إنسانية تقف ضد الظلم والحرب، فما تعليقك؟

يقدم معظم الفنانين التشكيليين في العالم موضوعات محدودة، حيث يتخذون موضوعاً معيناً، تجريدياً أو سياسياً أو شخصياً. بالنسبة إلي، منذ تخرجت قررت أن أكون حراً في اختيار الموضوعات. ربما يكون الموضوع طبيعة صامتة، أو عن الإنسان أو «لاند سكيب»، وفي الوقت نفسه يكون له جانب اجتماعي. فموضوعات الحياة والحرب بالنسبة إلي لا فرق بينها وبين الطبيعة أو جسد الإنسان. ولكن في كثير من الأحيان، خصوصاً في العشر سنوات الماضية، نجد تغييرات اجتماعية تحدث لدينا في المنطقة تحت مسمى الدين والسياسة ومسميات مختلفة، وقد تأثرت بالوضع وتفاعلت مع هذه الموضوعات، وقت حرب العراق والكويت قدمت أعمالاً لها علاقة بذلك. حتى حربنا الفكرية الموجودة تطرقت إليها في بعض أعمالي.

المتأمل لتجربتك الفنية يجدها تتنوع ما بين الرسم والتصوير والنحت، فلماذا الجمع بين أكثر من وسيط؟

ثمة من يكتب رواية أو مقالاً أو قصة قصيرة وشعراً، وثمة من يكتب الأربعة أنواع معاً. تحدّد الفكرة القالب الفني الذي تصاُغ من خلاله. أختار ما يناسب فكرتي، لذلك أنتقل بين الوسائط الملائمة. وأساساً جميع هذه الوسائط متشابهة، بمعنى أن اللوحة مسطحة، والنحت نعطيه الثلاثة أبعاد، لذا لا أجد فرقاً بين الرسم والنحت، ولكن الاختلاف في الخامات التي نستخدمها في كل وسيط. الفن علم الجمال، وعندما يكون اهتمام الفنان بالجمال يصوغه بأي شكل، لأن الجمال لا حدود له.

back to top