الوطن بالنسبة للإنسان كالماء والغذاء، وبدونه لا يشعر الإنسان بإنسانيته، بل يعيش حياته بلا هدف، ولهذا حذرت المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من حرمان أي شخص من جنسيته تعسفاً، والقانون الدولى يدين بشدة حرمان الأشخاص من جنسياتهم، لاسيما إذا كان سحبها يهدف إلى تكميم الأفواه عن إبداء الآراء وحرية التعبير.

Ad

وعندما ننظر إلى قانون الجنسية الكويتي رقم 15 لسنة 1959 نجده بكل أسف يبيح للسلطات صلاحية تجريد الأفراد من جنسيتهم، تحت ظروف غامضة وبنود مطاطية، من خلالها يتم تلفيق تهم تهديد المصلحة العليا للبلاد أو الأمن الخارجي أو القيام بالترويج لمبادئ من شأنها تقويض سلامة البلاد، ونتساءل هنا: هل أصبح قانون الجنسية هذا مصيدة يتم بها اصطياد المواطن إذا خالف رأيه رأي الحكومة؟

والمتتبع لأوضاع البلاد السياسية يدرك أن الحكومة في السابق لم تفعل هذا القانون الجائر، حتى لا تفتح على نفسها جراح تعديله، ولكن الأحوال تبدلت عندما اتجهت الحكومة إلى إرضاء نواب المجالس السابقة من خلال سحب الجنسية عن ياسر الحبيب الذي أثير حوله أنه يسب الصحابة، ونحن وإن كنا ضد ذلك إجمالاً وتفصيلاً، فإننا نرى أنه كان من المنطقي والأجدى معاقبته بأي عقوبة مهما كانت شدتها دون سحب الجنسية، حتى لا ينسحب ذلك على بقية المواطنين ممن لا ترضى عنهم الحكومة.

وعندما ننظر إلى الواقع نجد أن الحكومة ليست وحدها المسؤولة عن ذلك، بل كان من شركائها في الإثم، نواب من بينهم النائب السابق عبدالله البرغش، ورأينا وقتها التكتل الشعبي المعارض الذي أشبعنا خطباً نارية للمحافظة على المكتسبات الدستورية يؤيد بشدة غير معهودة سحب جنسية ياسر الحبيب، واعتبرت رموز الحركة الدستورية هذه الخطوة إيجابية للغاية، وتبارى نواب السلف عبر نوابهم وتكتلاتهم في مدح الحكومة وأشادوا بسحب الجنسية عن ياسر الحبيب، ورأوا في ذلك عودة الإسلام وأنه الشرف والعزة والكرامة.

ودون مزايدات فإن هؤلاء من أعطوا الحكومة صك سحب الجنسية عن المواطنين، فأصبحت تعز من تشاء بعدم السحب، وتذل من تشاء بنزعها عنه، إلى أن تم سحب جنسية 33 مواطناً عام 2014، والحبل على الجرار، عموما لن نبكي كثيراً على اللبن المسكوب، فقد حصل ما حصل، وأصبح من الضروري تعديل قانون الجنسية، ولكننا هنا لا نعول على مجلس الأمة الراهن الذي يتعامل بنعومة زائدة مع الحكومة في الكثير من مواقفه، لأنه كان يفترض على نوابه أن يقفوا وقفة رجل واحد ليقولوا للحكومة "إلا الجنسية" فهي الخط الأحمر الذي لا يقبل المساومة، ونقول هنا إن الشعب لا يقبل أن يتعرض أي مواطن لمثل ما تعرض له النائب السابق عبدالله البرغش، والسؤال للحكومة: أين كانت عندما كان البرغش يمثل الأمة من المعلومات الكاذبة التي بمقتضاها حصل على الجنسية؟ وأين كانت عندما كان البرغش يمثل الشعب في السلطة التشريعية؟

وفي الأخير نتمنى من الله أن يعجل بمجلس الأمة المقبل ليداوي جراح قانون الجنسية الراهن، ويعالج عواره الواضح رحمة بالمواطنين الذين يمكن أن تنزع عنهم جنسيتهم وجنسية أولادهم، في وقت يهلل البعض للحكومة لتكون الكويت دولة الصم والبكم، وهذا لن يكون، لأن شعبنا تربى على حرية الرأي التي حصنها له الدستور.