في منتصف الرحلة إلى ديارها في كابول، أوقف أحد عناصر حركة طالبان الحافلة التي استقلتها فاطمة وبدا يلقي خطاباً مذهلاً إلى حد أنها بدأت تسجله على هاتفها.

Ad

ويكشف تسجيل الفيديو الذي حجبت أصابع فاطمة جزءاً من إطاره خلال محاولتها اخفاء ما تفعل، عن صور نادرة لما يبدو أنه "حملة جذب" يخوضها المتمردون لتغيير صورتهم الشرسة في أذهان الأفغان العاديين.

وبدا في الصور عنصر ذو لحية كثة يعتمر عمامة ويتحدث بهدوء بمزيج من لغتي الداري والباشتو الرسميتين في أفغانستان.

بدا الرجل حديثه قائلاً "السلام عليكم، آمل ألا تكونوا متعبين جداً، أهلاً بكم" متبادلاً بعض الكلمات مع الركاب، قبل أن يطلب من أي موظف حكومي ويقصد بذلك الموظفين الرسميين وعناصر قوى الأمن، "الاستقالة من فضلكم".

وتابع مخاطباً الركاب "لا تقلقوا، البعض يقول أن طالبان من آكلي لحوم البشر، أنا في طالبان، ولا آكل لحوم البشر، لكنني قد التهم رؤوس الأميركيين".

وتم تسجيل الفيديو في أواخر أكتوبر على حاجز لطالبان في ولاية بغلان فيما كانت فاطمة مسافرة من مزار الشريف شمالاً إلى مدينتها كابول، وانتشر بسرعة هائلة على الانترنت بعد أن نشرته على صفحتها على فيسبوك.

وتقول فاطمة التي ترفض كشف نيتها، متذكرة "شعرت بتوتر حاد".

شبت فاطمة لاجئة في ايران في أواخر التسعينيات في أثناء حكم طالبان الشرس في أفغانستان، وهي الآن اخصائية في علم النفس.

وقالت "تشكلت صورة طالبان في ذهني بسبب أفعالهم، كالهجمات الانتحارية التي ينفذونها في أفغانستان" وتقتل الكثير من المدنيين، بحسبها.

ما أن وصلت بامان إلى كابول حتى عرضت الفيديو على أصدقاء اعتبروه "مثيراً للاهتمام"، بعد ثلاثة أيام نشرته على صفحتها في فيسبوك حيث أتت أغلبية التعليقات لتؤكد لها أنها "فتاة شجاعة"، على ما صرّحت.

أما طالبان فيبدو أنهم لم يلحظوا الاهتمام الذي يجذبه الفيديو، ما طمأن الشابة التي لا تؤمن، بالرغم من خطاب الرجل الهادئ، بأن الجماعة غيّرت وسائلها العنيفة.

وتأكدت شكوك فاطمة مع سيطرة الحركة لفترة وجيزة على مدينة قندوز شمال البلاد في أواخر سبتمبر حيث أحرقوا ملجأ للنساء وخربوا مكاتب وكالة لحقوق المرأة.

وقالت فاطمة "إذا عادت طالبان فسأشعر بالرعب، نظراً إلى ما حدث في قندوز".

"فارق كبير بين القول والفعل"

وتشكّل فاطمة الشابة المتعلمة والمنتمية إلى طائفة أقلية منبثقة عن الشيعة، كل ما كرهته حركة طالبان السنية تاريخياً.

ففي أثناء حكم الجماعة المتشددة لمدة خمس سنوات الذي أنهي في 2001 باجتياح بقيادة أميركية، تعرضت لانتقادات واسعة النطاق بسبب معاملتها للنساء.

وتذكرت مديرة الشبكة الأفغانية للنساء حسينة صافي "لم يسمح لنا بالخروج من المنزل بلا مرافق ذكر، ولم يسمح لنا ارتياد المدرسة".

كما تؤكد على أن الفيديو أو خطاب الزعيم الجديد لطالبان الملا اختر منصور الذي اعتبر في سبتمبر التعليم الحديث "ضرورة"، لم يقنعاها إطلاقاً بتغيير الحركة أساليبها.

وقالت "هناك فارق كبير بين القول والفعل" متحدثة عن العنف الذي جرى في قندوز.

وبغض النظر عن خطاب الملا منصور، أمرت الحركة الإسلامية مقاتليها بمساعدة الضحايا وتوفير الدعم للجمعيات الخيرية بعد الزلزال بقوة 7.5 درجات الذي هز شمال البلاد وخلّف آلاف المشردين.

كما نفت الجماعة ارتكاب فظائع في قندوز واستخدمت حسابها على تويتر لمهاجمة الولايات المتحدة بعد قصفها مستشفى لمنظمة أطباء بلا حدود ما أدى إلى مقتل 30 شخصاً، مقارنة بين الهجوم و"الحماية" التي يوفّرها عناصرها للموظفين في وكالات الغوث.

وأكدت فاطمة على أنها لا تؤمن بأن طالبان قادرة على الإطاحة بالحكومة بالقوة، لذلك "تريد الفوز بقلوب المدنيين لتثبت أنها إذا تولت السلطة، فستحكم أفضل" من الرئيس أشرف غني.

وأكدت على أنها تفكر حالياً في مغادرة أفغانستان ولو أن طالبان لم تبد اهتماماً ظاهراً في ما فعلت.

ويقول لها الكثير من الأشخاص أن "البقاء يعرضنا جميعاً للخطر، عائلتي وأنا"، على ما أفادت بأسف باد.