تداعيات تباطؤ التجارة العالمية على الأسواق الناشئة

نشر في 26-09-2015
آخر تحديث 26-09-2015 | 00:01
No Image Caption
سيكون من الضروري إجراء إصلاحات في الدول النامية لتحرير الزراعة وإعداد العمال للعمل في قطاع الخدمات، ولكن كما اكتشف القادة من إندونيسيا إلى البرازيل، فإن الانكماش بعد الازدهار ليس اللحظة الأكثر سهولة من أجل اتخاذ قرارات صعبة.
 إيكونوميست تسود كلمة التنوع ميناء تيلبري في ضواحي العاصمة البريطانية لندن، وقد عمد أصحاب الميناء الى الاستثمار في مشاريع جديدة، وعما قريب سوف يتحول هيكل معدني كبير الى وحدة تبريد تحتوي على المواد التالفة التي سوف يتم ارسالها الى الأسواق المركزية في بريطانيا.

وبحسب كبير مسؤولي التشغيل في الميناء بيري غلادنغ فإن موانئ الحاويات البريطانية تواجه مشكلة في مسألة السعة الزائدة، وتمثلت استجابة تيلبري لهذا الوضع في استخدام موقعه بأكبر قدر من المرونة.

وفي كوريا الجنوبية هبطت صادرات البضائع بحوالي 15 في المئة محسوبة على أساس سنوي في شهر أغسطس الماضي، وفي الصين – التي تعتبر الحلقة الأكثر أهمية في الامدادات العالمية – هبطت الصادرات بأكثر من 5 في المئة كما تراجعت صادرات بريطانيا والولايات المتحدة. وخلال الشهور الستة الأولى من هذه السنة انكمشت التجارة العالمية بأكثر من 13 في المئة محسوبة على أساس سنوي، وكان نمو التجارة السنوي بلغ منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي حتى منتصف العقد الماضي 7 في المئة.

ويمكن نفسير هذا الانخفاض بشكل جزئي من خلال التغير في الأسعار، ويتمتع الدولار بوضع قوي يسهم في خفض قيمة السلع التي يتم تسعيرها بعملات أخرى، وقد هبطت أسعار السلع بشكل لم يسهم فقط في خفض سعر المواد الأولية المصدرة الى شتى أنحاء العالم بل ساعد أيضاً على خفض تكلفة العمل ومن ثم السعر بالنسبة الى السلع المصنعة.

ومن حيث الحجم لا تزال التجارة تنمو بنسبة 1.7 في المئة محسوبة على أساس سنوي، وذلك في النصف الأول من العام الحالي، ولكن ذلك يقل كثيراً عن متوسط الأجل الطويل الذي يصل الى حوالي 5 في المئة، وفي الأسواق الناشئة كان نمو حجم التجارة أكثر ضعفاً عند 0.3 في المئة محسوبة على أساس سنوي.

التجارة والناتج الإجمالي

في أوائل حقبة التسعينيات من القرن الماضي نمت التجارة بوتيرة أسرع قليلاً من الناتج المحلي الاجمالي في العالم، ولكن في وقت لاحق من ذلك العقد بدأت الصين والاتحاد السوفياتي السابق بالتكامل والاندماج في الاقتصاد العالمي وتأسست منظمة التجارة العالمية من أجل تعزيز وتقوية المبادلات، وبدأ التغير التقني بجعل الأوضاع أكثر سهولة وبنشر سلاسل الامداد والتموين.

ونتيجة لذلك نمت التجارة بوتيرة تبلغ ضعف السرعة التي نما فيها الاقتصاد العالمي في الفترة ما بين 2003 – 2006 ومنذ ذلك الوقت، على أي حال، بدأ مرحلة تباطؤ وخلال العامين الماضيين نما الناتج المحلي الاجمالي في العالم بسرعة تفوق معدلات التجارة، وكان التباطؤ بارزاً في ضوء تراجع تكلفة النقل بفضل هبوط سعر النفط الذي يجب أن يسهم في تعزيز التجارة الدولية.

وكانت المشكلة دورية بشكل جزئي، كما أن أوروبا التي تشكل حوالي ربع الانتاج في العالم وثلث التجارة الدولية تكبدت ركوداً دورياً طويلاً جداً – وذلك بحسب بول فيندال من مكتب تحليل السياسة الاقتصادية في هولندا، وقد بلغ نمو الناتج المحلي الاجمالي في القارة العجوز 0.8 في المئة في الفترة ما بين 2012 – 2014 مقارنة مع 3.5 في المئة في 2005 – 2007.

وفي الوقت نفسه، ألحق هبوط الطلب على المواد الأولية في الصين الضرر باقتصاد العديد من الدول المصدرة للسلع، كما أن هذه الدول تشكل أيضاً الأسواق النهائية بالنسبة الى الكثير من الصادرات الصينية، ما أفضى الى ما يشبه الحلقة المفرغة.

وساهمت عوامل أخرى أيضاً في هذه الحصيلة، وفي مطلع السنة الحالية تأثرت التجارة مع الولايات المتحدة باضراب حدث في موانئ الساحل الغربي – التي تستوعب 50 في المئة من المستوردات – وبطقس بارد غير موسمي أفضى الى تأخير عمليات الشحن، وتسببت هذه العراقيل في العرض والطلب في هبوط المستوردات بنسبة 3.4 في المئة في الربع الأول من هذه السنة مقارنة مع العام السابق.

وقد قدرت دراسة أجرتها ايمين بوز وماثيو بوسير وكليمنت مارسيلي في مركز بحوث السياسة الاقتصادية أن تلك العوامل كانت مسؤولة عن حوالي نصف التباطؤ في العمليات التجارية في الدول الغنية في الفترة ما بين 2012 و2014.

وعلى الرغم من ذلك فقد لعبت عوامل هيكلية دوراً أيضاً، إذ تقول دراسة صدرت أخيراً عن صندوق النقد الدولي إن مرونة التجارة – التي تمثل كمية التجارة الناجمة عن ارتفاع معدلات الدخل – قد هبطت بصورة كبيرة في الصين وفي الولايات المتحدة، وعمدت الصين الى زيادة عملياتها في الداخل وهبطت حصة المكونات المستوردة من الصادرات من 60 في المئة في تسعينيات القرن الماضي الى 35 في المئة في هذا العقد. وفي غضون ذلك بدأت الولايات المتحدة باستخدام احتياطياتها الضخمة من الزيت الصخري وهبطت مستورداتها من النفط بنسبة 1.9 مليون برميل في اليوم بين 2010 و2014.

وعند متوسط سعر لبرميل النفط بلغ 93 دولاراً يوفر ذلك ما يصل الى 60 مليار دولار - أو ما يعادل 25 في المئة من المبالغ التي أنفقتها الولايات المتحدة على النفط الخام في سنة 2014 وذلك بحسب وكالة معلومات الطاقة الأميركية.

وتشكل الوتيرة البطيئة لتحرير التجارة صورة اخرى للتراجع، وفي الفترة ما بين 2010 و2014 تحققت 109 صفقات تجارية جديدة منخفضة عن 128 صفقة خلال السنوات الخمس الماضية، وذلك بحسب منظمة التجارة العالمية، ويبدو أن أكبر صفقة قيد التفاض في الوقت الراهن والمتمثلة في الشراكة عبر المحيط الهادي التي تشمل 12 دولة قد أخفقت. كما أن المفاوضات حول اتفاقات جديدة أصبحت أكثر صعوبة مع تراجع متوسط التعرفة وغدت الصفقات متمحورة الآن حول مواضع شائكة بقدر أكبر مثل مقاييس العمل وحماية الملكية الفكرية.

ويبدو أنه من السذاجة أن نتخيل أن الظروف البارزة التي أفضت الى تحسين التجارة في أوائل الـ 2000 سوف تستمر الى الأبد، وهبوط قيمة الدولار في التجارة العالمية ليس شيئاً فظيعاً بالضرورة، والمنتجات الأرخص ثمناً تساعد المستهلكين على شراء المزيد من السلع. وفي المعيار ذاته فإن هبوط الأحجام ليس كارثة بالنسبة الى الاقتصاد العالمي إذا كان يعكس زيادة في الانتاج المحلي في الولايات المتحدة والصين.

ولكن العديد من الدول سوف تعاني كما أن مصدري السلع في الدول الغنية مثل كندا وأستراليا يتمتعون بدرجة من التنوع النسبي، وهبوط قيمة العملة في تلك الدول سوف يسهم في تنشيط السياحة وفي تصدير السلع المصنعة ضمن صناعات اخرى، وتعتبر الدول العديدة التي تفتقر الى التصنيع مصدر قلق كبير.

وقد أفضى نمو التجارة السريع في حقبة التسعينيات من القرن الماضي، وفي العقد الذي تلاه، الى عصر ذهبي جمع بين الدخل في الدول الناشئة والعالم الغني، مع انضمام دول فقيرة الى سلسلة البلدان المصدرة على صعيد عالمي، ولكن على الرغم من ذلك فإن العديد من تلك الدول كادت ألا تشرع في عمليات تصنيع وقد بلغ متوسط الدخل في إفريقيا شبه الصحراوية حوالي ربع ما وصل اليه في الصين.

منع الركود

إذا كان العالم لن يتمكن على الأرجح من تكرار الطفرة التجارية التي حدث في حقبة الـ 2000 فإن هناك العديد من الطرق التي يمكنه من خلالها منع التجارة من الركود، ويتعين على الدول الغنية الدفع نحو اتفاقات تجارية كانت قد بدأتها والمصادقة على الاتفاقات التي فاوضت حولها، ثم إن الاتفاق المتعلق بتسهيل التجارة الذي توصلت منظمة التجارة العالمية اليه في سنة 2013 والذي يهدف الى خفض تكلفة التجارة في الدول الفقيرة بشكل خاص يتطلب المصادقة من قبل ثلثي أعضاء المنظمة الـ 161 من أجل دخوله حيز التنفيذ.

وقد انضمت اليه حتى الآن 16 دولة فقط، وقوضت السياسة الانتخابية اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادي ويتعين على الرئيس باراك اوباما العمل على انجازه حتى لا تتبدد الأموال التي صرفت عليه.

ويتسم هذا الاتفاق بأهمية خاصة لأنه يخفض الحواجز في وجه المستوردات والخدمات الزراعية والتي تنطوي على أهمية بالغة بالنسبة الى الدول النامية التي تعتبر غير قادرة على التعويل على التصنيع من أجل تحقيق المزيد من الثروة.

وسوف يكون من الضروري أيضاً اجراء اصلاحات ضمن الدول النامية لتحرير الزراعة وإعداد العمال للعمل في قطاع الخدمات – ولكن كما اكتشف القادة من اندونيسيا الى البرازيل فإن الانكماش بعد الازدهار ليس اللحظة الأكثر سهولة من أجل اتخاذ قرارات صعبة.

back to top