هناك اختلاف كبير تماماً بين الاقتصادين الكوبي والإيراني: فكوبا جزيرة صغيرة تقع قبالة ولاية فلوريدا الأميركية في حين أن إيران دولة شرق أوسطية تملك كميات هائلة من النفط، كما تختلف العقوبات الاقتصادية التي فرضت على البلدين أيضاً.

Ad

إذا كانت ردهات فنادق طهران الفاخرة تشكل أي مؤشر على النشاط الاقتصادي فقد أصبح التدافع إليها واضحاً ومعبراً تماماً، فقبل ستة أشهر فقط كانت تلك الفنادق تستقبل رجال الأعمال الصينيين فقط، أما الآن فهي تعج برجال اعمال من الغرب يسعون إلى عقد صفقات واتفاقات، كما بدأت الوفود التجارية بالوصول إلى العاصمة الإيرانية، وكان الوفد الأول المتميز الذي زار طهران بعد أن أبرمت اتفاقية فيينا حول برنامجها النووي المثير للجدل في الشهر الماضي برئاسة نائب مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل السيد سيغمار غبرييل الذي وصل برفقة مجموعة من رجال الأعمال الألمان في الثامن عشر من الشهر الفائت.

من جهة أخرى تعج فنادق العاصمة الكوبية هافانا بزوار، وحققت تلك الفنادق حركة ناشطة لافتة حتى قبل أن يتم افتتاح سفارتي الولايات المتحدة وكوبا في البلدين في العشرين من شهر يوليو الماضي، كما أنه منذ أن تم إعلان الدولتين عن تقارب في أواخر السنة الماضية عمد المحامون الأميركيون من أصل كوبي إلى ترتيب رحلات عمل إلى هافانا لموكليهم من رجال الأعمال والشركات الأميركية.

ويشكل هذا الوضع الجديد لدولتين ظلتا معزولتين فترة طويلة من الزمن، وعودتهما الى الميدان التجاري فرصة ملائمة بالنسبة الى المستشارين أيضاً، وعند بداية هذه السنة لم يكن لدى "آي إل آي إي كوربوريشن" وهي شركة إيرانية استشارية تتخذ من طهران مقراً لها، وتدار بصورة مشتركة من ألماني وإيراني لم يكن لديها أي عملاء من شركات أجنبية. وبحلول شهر ابريل الماضي كان لديها ثلاث شركات أجنبية، وقد ارتفع العدد في الوقت الراهن الى 18 شركة.

وفي غضون ذلك انضم خبراء يعملون في مجالات أخرى لدى شركات محاماة في الولايات المتحدة إلى الفرق التي تعمل في الميدان الكوبي لمعالجة الأعمال الجديدة، ويقول أحد العاملين في تلك الشركات إن هاتفه لا يكف عن الرنين وهو يتلقى على الدوام مكالمات عمل.

ومن شأن كل هذه الأنشطة إفساح المجال أمام كوبا وإيران بصورة بطيئة ومؤكدة لبلوغ طريقة مدروسة للعمل، وتشير التوقعات إلى أن رفع العقوبات عن البلدين سيحتاج إلى أشهر وربما سنوات، وحتى عندئذ فإن الشركات الأجنبية ستواجه عقبات كبيرة وصعبة في ما يتعلق بممارسة نشاطها التجاري، ناهيك عن تحقيق أرباح من أعمالها.

يوجد اختلاف كبير تماماً بين الاقتصادين الكوبي والإيراني: فكوبا جزيرة صغيرة تقع قبالة ولاية فلوريدا الأميركية في حين إيران دولة شرق أوسطية تملك كميات هائلة من النفط، كما تختلف العقوبات الاقتصادية التي فرضت على البلدين أيضاً، فإن العقوبات التي فرضت على كوبا، على سبيل المثال، تنسحب بشكل حصري تقريباً على الرعايا الأميركيين، أما في حالة إيران فتشمل الكيانات غير الأميركية أيضاً، كما أن البنوك الأوروبية والآسيوية التي تقيم علاقات عمل مع طهران من دون موافقة رسمية تتعرض الى خطر إغلاق حساباتها.

ولكن ثمة عامل مشترك في الحالتين الكوبية والإيرانية وهو تحقيق درجة من التطور تمكنهما من الازدهار الاقتصادي بمجرد رفع العقوبات عنهما، ويقول غاري هفبور من معهد بيترسون للعلاقات الاقتصادية الدولية إن إيران بشكل خاص يجب أن تتمكن من جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في ضوء حجمها وإمكاناتها، والعديد من الدول الأخرى التي استهدفتها العقوبات الاقتصادية تعاني درجة أكبر من الفوضى ومعدلا أقل من السكان المتعلمين بشكل جيد، وهي لذلك "ليست مهيأة لتحقيق نمو بمجرد رفع العقوبات عنها".

تحركات مبكرة واعدة

كان بعض الخطوات المبكرة في كوبا واعداً ويبشر بتقدم واضح، وقد بدأت رحلات الطيران الخاصة بتحقيق مكاسب من خلال نقل فئات متعددة من الأميركيين– ما عدا السياح– الذين سمحت لهم السلطات في وقت سابق بالسفر الى الجزيرة، ويقول بعض الرؤساء التنفيذيين في قطاع التأجير السكني في كوبا إن نحو 2000 شخص حجزوا مختلف الشقق الخاصة عن طريق أون لاين وبأسعار تصل إلى عشرة أمثال المعدلات المعتادة.

وفي ما يتعلق بالوضع في إيران قال روكي أنصاري وهو محام تجاري ومحلل اقتصاد في العاصمة طهران إن "قلة فقط من الدول لديها متطلبات استثمار مباشرة مثل إيران"، وبحسب تقديراته فإن إيران ستكون في حاجة إلى أكثر من تريليون دولار، كما أنها ستحتاج في السنوات الخمس المقبلة إلى مبلغ يراوح بين 230 مليار دولار و260 مليار دولار على شكل استثمارات في ميادين النفط والغاز، وذلك بحسب تقديرات المحللين، ويضاف إلى هذه الأرقام حاجة البنية التحتية الماسة لعمليات إصلاح وتجديد، وتسعى شركة طيران إيران اير التي حرمت من الاستثمار منذ الثورة الإسلامية في سنة 1979 إلى شراء عدة مئات من الطائرات لتعزيز أسطولها.

دور الاستثمارات الأجنبية

بدأ بعض شركات الاستثمار الأجنبية بالعمل في إيران، وعلى سبيل المثال لدى دبنهامس البريطانية وهي سلسلة متاجر كبيرة للبيع بالتجزئة العديد من المحلات في شتى أنحاء إيران بما في ذلك متجر رئيسي في العاصمة طهران. وتجهد شركة بوينغ الى العودة للعمل في ذلك البلد، وبعد جولة مبكرة من رفع العقوبات التي جرت في شهر نوفمبر من عام 2013 تقوم هذه الشركة في الوقت الراهن ببيع قطع غيار، إضافة إلى إعلان شركة ما كدونالد للأطعمة السريعة عزمها دخول السوق الإيرانية.

وفي كوبا وإيران لا تزال فرص العمل في حاجة الى استغلال، وتتوق شركات الأطعمة الكبرى إلى دخول كوبا، لكن الحظر يمنعها من استخدام البنوك الأميركية من أجل الحصول على كتب اعتماد للقيام بالتوصيل.

عقبات أمام الصناعات

وتجدر الإشارة إلى أنه حتى الصناعات التي حصلت على تراخيص للتعامل التجاري مع كوبا مثل صناعات الزراعة والأدوية والاتصالات تواجه العديد من العوائق أمامها، ويمثل التمويل الجانب الأكبر في هذا الصدد، وعلى الرغم من أن إدارة الرئيس باراك أوباما عمدت إلى رفع اسم كوبا من لائحة "الدول الراعية للإرهاب" في شهر أبريل الماضي فإن تخفيف القيود المفروضة على العمليات المصرفية كان بطيئاً، وفي 21 يوليو الماضي أصبح بنك ستونغيت في ولاية فلوريدا أول بنك أميركي يفتح حساباً في كوبا ويسمح بقيام عمليات مالية بين البلدين.

وبالمثل، حتى إذا أقر الكونغرس الأميركي الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة (5+1) الذي تم التوصل اليه في فيينا فسوف يتعين على إيران تنفيذ أحد عشر من الإجراءات ذات الصلة، إضافة إلى طائفة من البنود الفرعية، ويقول رجل أعمال يتنقل بين لندن وطهران إنه يخشى أن يفضي النزاع حول أي من تلك البنود إلى العودة إلى الوضع السابق، كما أن آلية إعادة فرض العقوبات الاقتصادية في حال خرق الاتفاق لن تشجع البنوك على التعامل من جديد مع البنوك الإيرانية، وما دام هذا هو موقف تلك البنوك الأجنبية فإن الكثير من عوائد إيران النفطية البالغة نحو 100 مليار دولار في الخارج ستظل هناك ولن تتمكن طهران من استعادتها.

دخول أسواق كوبا

وينصح جون ابستن الذي يعمل محامياً لدى شركة "هولاند and نايت" في العاصمة الأميركية واشنطن زبائنه بعدم التسرع والسعي إلى أن يكونوا أول من يدخل الأسواق الكوبية، وأن ينتظروا خمس سنوات قبل الإقدام على مثل تلك الخطوة، وهو يعتقد أن التجربة هناك- التي شهدت أكثر من ستة أشهر من الصعود والهبوط– كانت مفيدة بالنسبة إلى تطبيق الشركات تلك الحصيلة على الوضع في إيران.

ويقول نايغل كشنر وهو محام بريطاني يعمل مستشاراً للشركات حول العمل في إيران "نحن نتحدث في هذه المرحلة عن رفع محتمل للعقوبات الاقتصادية".

وقد تمثل الحكومتان في إيران وكوبا أكبر عقبة على طريق النمو في مرحلة ما بعد رفع العقوبات، وقد توقف تبني كوبا للمشاريع الخاصة، كما أن السلطات في هافانا بطيئة في منح المشاريع ذات التمويل الأجنبي موقعاً في المنطقة الاقتصادية الخاصة في ماريل، ولم تتم الموافقة إلا على خمسة مشاريع خلال الأشهر الـ18 الماضية، كما أن البيروقراطيين في كوبا يبتعدون عن المجازفة الى حد كبير، ويقول توماس غودمان من مجموعة كوهن الاستشارية "تكمن المشكلة في عدم معرفة من يتعين الاتصال به وكيفية معالجة الأمور".

ما وراء ابتسامات ظريف

في إيران قدم وزير الخارجية محمد جواد ظريف الاتفاق حول برنامج طهران النووي إلى البرلمان في صورة انتصار، ولكن طائفة من المشاكل تواجه الاقتصاد الإيراني وراء ابتساماته لأن إيران تحتل المركز الـ130 على قائمة البنك الدولي الخاصة بالدول الأسهل تعاملاً في العمل التجاري، ثم إن غيابها عن المركز الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار، وهو خدمة تحكيم تجاري يديرها البنك الدولي، يدفع المستثمرين الى التريث، وينتشر الفساد في إيران كما أن مراجعات القوانين التجارية القديمة تتعثر في البرلمان.

وعلى الرغم من وعود الرئيس حسن روحاني الانتخابية فإنه بدأ الآن فقط بمعالجة المصالح التي تعتبر العقوبات نوعا من الحماية التي أبقت المنافسة خارج نطاق السوق، ويسيطر الحرس الثوري على مجالات ضخمة من الاقتصاد في إيران، ويقول علي زاده وهو محلل سياسي في لندن "يرى المرشد الأعلى علي خامنئي في العولمة تهديداً للأمن القومي، وهو يريد من الحرس الثوري القيام بدور مصد الصدمات في وجه تلك القوى".