السعودية تكسب معركة الزيت الصخري
النفط شيء تجيده تماماً السعودية، وهي تعلم كل ما يتعلق بالتقنية الجديدة لشركات الزيت الصخري الأميركية أيضاً، كما يعمل السعوديون مع شركات الخدمة الدولية ذاتها، ويحضرون المؤتمرات نفسها، إلى جانب أن المملكة لم ترتكب خطأ غبياً عبر المقامرة بالميزة الاقتصادية الوحيدة التي تملكها.
إذا كنت تصدق كل الروايات الحديثة عن الطريقة التي فقدت السعودية بها حرب الأسعار التي بدأتها ضد منتجي النفط في الولايات المتحدة في السنة الماضية فإن التقرير الجديد الذي صدر عن وكالة الطاقة الدولية يطرح صورة مغايرة عن الواقع، فقد كسبت السعودية الحرب على الرغم من انها تدفع ثمناً غالياً مقابل ذلك.الرواية التي تتحدث عن مرونة الزيت الصخري الأميركي في مواجهة القرار السعودي برفع الانتاج تركز على قدرة الصناعة الأميركية على خفض التكلفة واستخدام تقنية مبتكرة للحد من المسار المناوئ، وثمة مقارنة من نوع ما بين قصة داود في مواجهة غولياث هنا ولكن المعلومات لا تدعمها.
وقد عمدت وكالة الطاقة الدولية، وهي المصدر المستقل الأكثر ثقة واحتراماً حول المعلومات المتعلقة بأسواق النفط، عمدت الى تغيير طريقتها بشأن الانتاج في الولايات المتحدة، وهي تستطلع الآن آراء المنتجين بدلاً من الاعتماد على معلومات من الدول، وقد أفضى ذلك التغيير الى جعل الوكالة تراجع معلومات الانتاج عن النصف الأول من العام الجاري، وقد أظهرت تلك المعلومات حدوث تباطؤ لافت.ولا تزال الولايات المتحدة تضخ كميات أكبر من تلك التي حققتها في السنة الماضية، ولكن الانتاج يشهد هبوطاً.وتظهر المعلومات انكماشاً بحوالي 900000 برميل في اليوم خلال شهر يوليو الماضي وحوالي 200000 في شهر أغسطس، وقد هبط الانتاج بالنسبة الى كل الشركات السبع الكبرى في مجال الزيت الصخري في الولايات المتحدة، في وقت تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن ينخفض الانتاج الأميركي من النفط الخفيف – وهو النوع الذي يتم من خلال التكسير – بما يصل الى 400000 برميل في اليوم في السنة المقبلة، وهو ما يقارب الكمية التي تنتجها ليبيا في الوقت الراهن.ومن شأن هذا الهبوط أن يشكل معظم الهبوط اليومي البالغ 500000 برميل من الانتاج من خارج منظمة الدول المنتجة للبترول الذي تتوقعه وكالة الطاقة الدولية في العام المقبل، ويضاف الى ذلك أن الانتاج قد هبط بالنسبة الى كندا حيث انخفض الى أقل من 4 ملايين برميل في اليوم لأول مرة خلال عشرين شهراً.ولا تصدق وكالة الطاقة الدولية سعي منتجي الزيت الصخري الى تحقيق خفض جذري في التكلفة الهامشية لإنتاج النفط من الآبار التي تم حفرها في الأساس، وهي تشير الى أن آبار النفط تجف بوتيرة أسرع كثيراً من الآبار التقليدية: وتظهر المعلومات الحديثة أن الانتاج يهبط بنسبة 72 في المئة خلال 12 شهراً من بدء العمليات و82 في المئة خلال أول سنتين.ويقول تقرير وكالة الطاقة الدولية إن «تنمية أو حتى الحفاظ على مستويات الانتاج يتطلب استثمارات مستمرة «، وتجدر الاشارة في هذا الصدد الى أن هبوط أسعار النفط يقلص قدرة شركات التكسير على نيل رأس المال اللازم الذي تحتاج اليه، كما أن عدد منصات الحفر هبط من جديد، وكان الهبوط في مطلع شهر سبتمبر الجاري هو الأشد منذ شهر مايو الماضي.وقد هبط عدد المنصات العاملة بنسبة 40 في المئة عن سنة خلت، وهي أكثر انتاجية بشكل جلي لأنها تعمل في المواقع الأعلى ربحية، ولكن هذا التكتيك استنفذ نفسه الى حد كبير ولا يمكن تفادي حدوث هبوط حاد في الانتاج لفترة أطول. تطورات متوقعةهذه التطورات كانت متوقعة والنفط هو الشيء الوحيد الذي تعرفه السعودية وهي تعلم كل ما يتعلق بالتقنية الجديدة التي تستخدمها شركات الزيت الصخري الأميركية أيضاً: ويعمل السعوديون مع شركات الخدمة الدولية ذاتها ويحضرون المؤتمرات نفسها كما أن السعودية لم ترتكب الغلطة الغبية في المقامرة بالميزة الاقتصادية الوحيدة التي تملكها.ويقول تقرير وكالة الطاقة الدولية إن «استراتيجية منظمة أوبك التي تقودها المملكة العربية السعودية في الدفاع عن حصص السوق بغض النظر عن الأسعار تبدو قد حققت التأثير المنشود في طرد الإنتاج غير الفعال والمكلف».وتقوم الفكرة القائلة بأن السعودية خسرت حرب النفط على غياب هزيمة لافتة في الولايات المتحدة، فصناعة الزيت الصخري لم تتعرض الى انهيار اضافة الى تعرض الرياض الى صعوبات مالية، ومن المؤكد أن المملكة تسجب من احتياطيها من العملة الأجنبية بوتيرة أسرع من هبوط انتاج الزيت الصخري.ثم إن حرب الأسعار مكلفة والنصر فيها لا يعني دائماً تدمير الجانب الخاسر بصورة تامة، وتلاحظ وكالة الطاقة الدولية وجود زيادة في الطلب على النفط نتيجة الهبوط الحالي في الأسعار، ويحدث معظم تلك الزيادة في الدول المتقدمة بما فيها الولايات المتحدة حيث تزداد رغبة السكان في مزيد من قيادة السيارات بحكم هبوط سعر البنزين.وسوف تكون السعودية، التي تضخ عند مستويات قياسية، الدولة التي تلبي هذا الطلب الاضافي، وليس شركات التكسير الأميركية، ولدى منظمة أوبك طاقة احتياطية تبلغ 2.27 مليون برميل يومياً مع 86 في المئة منها في يد السعودية.وتبلغ السعودية الأسواق انها المورد الذي يتعين اللجوء اليه عند أي مستوى أسعار، وأنها سوف تكون مستعدة دائماً لذلك، بخلاف الشركات الأميركية الانتهازية، كما تبلغ المستثمرين في شركات الزيت الصخري في الولايات المتحدة أنهم بمجرد أن يضخوا المزيد من المال في هذا القطاع فإنها – أي السعودية – سوف ترفع الانتاج وتخفض الأسعار لتحطم النماذج الاقتصادية التي قامت الاستثمارات على أساسها.وبعيداً عن المضاربات والتكهنات المالية لن ترتفع أسعار النفط في المستقبل المنظور في ضوء التصرفات السعودية، وما دامت ردة فعل صناعة الزيت الصخري الأميركية تتمثل في الرد على ارتفاع الأسعار بزيادة الانتاج فإن الأسعار سوف تهبط، وسوف تستقر الأسعار عند مستويات مقبولة لدول البترول بمجرد الانتهاء من ردة الفعل هذه.* ليونيد بيرشيدسكي | Leonid Bershidsky