بدأت الحلقة تكتمل حول رقبة الحريات في البلاد لتلتف من حولها وتخنقها بإقرار مجلس الأمة لقانون الجرائم الإلكترونية المغلظ العقوبات والمبهم في كثير من عباراته ومدلولاته، وهو القانون الذي سيمهد لقانون الإعلام الإلكتروني الذي أعتقد أنه سيقر في البرلمان الحالي قريباً بسبب تركيبته وتوجهات أعضائه مهما علت أصوات المعارضة من البعض لرفع العتب أو لتسجيل موقف ربما يفيد في موسم انتخابي في المستقبل.

Ad

وبعد أن أصبحت في البلد حالة توحد في الرأي والتوجهات في غالب وسائل الإعلام، وتقريباً ساد الرأي الواحد في الصحافة والتلفزيون، ونجحوا في زرع الرقيب الذاتي في داخل الصحافيين والكتاب -وهو في العالم الثالث أشد وطأة وقسوة من الرقيب الحكومي– ونتيجة لذلك أصبح القلم يرتجف في أيدي رجال الإعلام والفكر، جاء الدور الآن لجعل كل "أصبع" يرجف قبل أن يقترب من "الكيبورد" لينشر رأياً أو يبث معلومة عبر الوسائل الإلكترونية حجبت نشره "رقابة الذات" في وسائل الإعلام التقليدية، لذا بقي مجال واحد خارج السيطرة وهو الفضاء الإلكتروني عبر وسائل التواصل الاجتماعي والذي يجب أن يحجموه عبر قوانين مغلظة العقوبات وبالغة التعقيدات.

نعم، إن القرارات الدولية تلزم الكويت بإقرار قانون لمحاربة الجرائم الإلكترونية، لكن المواد التي حشيت فيه في ما يتعلق بنشر رأي أو عمل "ريتويت" لمعلومة ما لا تستلزم تلك العقوبات المغلظة، خاصة أن أجواء البلد تشهد تضييقاً غير مسبوق على التعبير عن الرأي بعد إغلاق صحف ومحطات بث تلفزيوني لها آراء معارضة.

هنا سيعلو رأي فحواه أن الأغلبية الحكومية – البرلمانية يحق لها أن تنفذ أجندتها، وهذا الأمر غير صحيح، ففي الكويت لا يوجد نظام حكم برلماني للأغلبية، ولا توجد أحزاب ذات برامج حصلت بموجبها على تفويض شعبي عبر الاقتراع يمكنها من إدارة البلد وتغيير طبيعته وديمقراطيته وتعدد الآراء فيه القائم من خمسة عقود وأكثر، كما أن الأغلبية الموجودة الآن يعلم الكافة أنها أغلبية الحفاظ على المناصب، ومعروف النهج الذي اتبع لتكوينها!

لذا فإن تلك الأغلبية عندما تصنع عشرات القوانين التي لا تمس بشكل مباشر القضايا الملحة للمجتمع من غلاء وارتفاع قيمة ايجارات السكن للشباب والأسر الناشئة، وتعتمد على الكم دون المضمون في عملها، ويمرر من بين فترة وأخرى قوانين تمس الحريات ضمن هذا الكم الهائل من القوانين التي يقرها هذا المجلس، وآخرها ما يراد تمريره من قانون وهمي لاستقلال القضاء، وهو عبارة عن رواتب وجوازات خاصة دون منح استقلال فعلي للقضاء، لذا فإنه لا يجوز للنواب الوطنيين أن يرفعوا العتب بتصريح هنا أو اعتراض شكلي في قاعة عبدالله السالم، بل المطلوب أن يتركوا هذا البرلمان حتى لا يشاركوا في إبادة ما تبقى من حريات، فليس فخراً إنجاز ألف قانون، بينما يتم هدم الحريات وتشويه ديمقراطية البلد.