«الإسلام دين العلم والمدنية»

نشر في 20-07-2015
آخر تحديث 20-07-2015 | 00:01
 د. عبدالحميد الأنصاري من يطّلع على كتاب «الإسلام دين العلم والمدنية» الشهير، للإمام محمد عبده الذي ألفه قبل قرن، يدرك مدى حاجتنا إلى فهمه المنفتح للدين، والمنسجم مع روح العصر ومنطقه، والمحفز لنهوض المسلمين.

ما أحوجنا هذه الأيام، أيام طغيان الكراهية والطائفية والغلو الإرهابي، إلى استلهام الأفكار التنويرية، للإمام المجدد الشيخ محمد عبده (1849-1905) من يطّلع على كتابه الشهير، الذي ألفه قبل قرن، يدرك مدى حاجتنا إلى فهمه المنفتح للدين، والمنسجم مع روح العصر ومنطقه، والمحفز لنهوض المسلمين.

الكتاب في أصله مجموعة مقالات نشرت في مجلة "المنار" 1901، رداً على وزير خارجية فرنسا "هانوتو" حين كانت فرنسا تحتل تونس والجزائر، وكان هانوتو قد كتب مقالاً، ينتقد المسلمين على تخلف أوطانهم، واستشعر الإمام فيه، مساساً بالإسلام كدين، فكتب رداً عليه، فعقب هانوتو عليه، فرد عليه الإمام، موضحا "أصول الإسلام" التي قامت عليها حضارة إنسانية عالمية، احتضنت أدياناً وأقواما وشعوباً وقدمت للعالم إسهامات علمية ومعرفية، اقتبست أوروبا منها مدنيتها وتقدمها، وكان هذا الكتاب ثمرة ذلك الحوار الصحي البنّاء، الذي يصفه الدكتور محمد الرميحي في مقدمته للكتاب بأنه "يتيح لنا أن نتعرف على السوية العالية في الثقافة التي أدارت النقاش بكثير من التحضر وكثير من الحجج العقلية". تأمل: هذا الحوار الراقي، قبل قرن، ونحن اليوم نفتقد حواراً في مستواه!

يمكن تقسيم الكتاب، بحسب موضوعاته، إلى أربعة أقسام:

1 - أهمية الإرادة الإنسانية في استنهاض المسلمين للعمل والكفاح والأخذ بأسباب القوة والعزة والمجد، وعدم الاستسلام للعجز والتواكل، وتعليق الأمور على "الجبر" فالإنسان يملك إرادته وحريته، وليس مجبراً.

2 - حواراته مع هانوتو.

3 - أصول الإسلام.

4 - الإسلام ومدنية أوروبا.

لن أنشغل بالحوارات، لكني أقف عند "أصول الإسلام" برؤية الإمام، وهي رؤية مستنيرة ومستوعبة لمقاصد الإسلام، نحن بأمس الحاجة إليها في حياتنا، وعلاقاتنا، وخطابنا الديني والاجتماعي والسياسي في مواجهة ظواهر التطرّف والعنف والكراهية والتعصب، وهذه الأصول، هي:

1- النظر العقلي لتحصيل الإيمان: الإسلام قد أطلق الحرية للعقل، وصولاً إلى الإيمان، عبر تأمل آيات الله تعالى في الكون، وبلغ هذا الأصل أن الذي يجهد في الوصول إلى الحق ثم لا يصل ويموت فهو ناج بإذن الله تعالى، فأي سعة، أوسع من هذه السعة؟!

2- تقديم العقل على ظاهر الشرع عند التعارض: إذا تعارض العقل والنقل، أخذ بما دلّ عليه العقل، وبقي في النقل طريقان: طريق التسليم بصحبته مع العجز عن فهمه، وطريق التأويل بما يتفق والمعنى العقلي.

3- البعد عن التكفير: فقد اشتهر بين المسلمين أنه إذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مئة وجه، ويحتمل الإيمان من وجه واحد، حمل على الإيمان، فهل رأيت تسامحاً أوسع منه؟! قارن هذا القول الراقي بما هو حاصل، اليوم، من انتشار وباء "التكفير" في مجتمعاتنا، حتى لا يكاد يسلم منه كاتب أو باحث أو عالم يستخدم عقله في فهم الدين!

4- الاعتبار بسنن الله تعالى في الخلق: أن لله تعالى في الأمم والأكوان سنناً ثابتة لا تتبدل ولا تتغير، علينا أخذ العظة منها والاعتبار بها "فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً".

5- قلب السلطة الدينية: هدم الإسلام السلطة الدينية، فلا سلطان- بعد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم- لأحد على عقيدة أحد، وليس لمسلم- مهما علا كعبه في الإسلام- على آخر- مهما انحطت منزلته فيه- إلا حق النصيحة والإرشاد، "لكل مسلم أن يفهم من كتاب الله تعالى وسنّة رسوله عليه الصلاة والسلام، بدون توسيط أحد من سلف أو خلف". وهذا كلام في غاية الأهمية، يناقض ما يقوله أدعياء الوصاية على معتقدات الآخرين، اليوم!

6- حماية الدعوة لمنع الفتنة: شرع الجهاد لرد العدوان وتأمين الدين والبلاد والعباد من الفتنة، وليس للإكراه على الدين أو الانتقام، وحرص قادة المسلمين على صيانة واحترام من انقطعوا للعبادة، والنساء والأطفال، وكل من لم يشارك في القتال، وجاءت وصايا رسولنا الكريم، عليه الصلاة والسلام، مؤكدة وجوب كفالة حقوق ومعتقدات أهل الذمة "لهم ما لنا وعليهم ما علينا"، و"من آذى ذمياً فليس منا"، أين هذه الوصايا السامية، بفعل الجماعات الإرهابية من قتل لأهل الذمة وسبي لنسائهم، وتجنيد الأطفال في القتال؟!

7- مودة المخالفين في العقيدة: أباح الإسلام الزواج من الكتابية، وجعل من حقوقها على زوجها، أن تبقى على عقيدتها وإيصالها  لكنيستها، فهي بهجة قلبه، وريحانة نفسه، ومستقر مودته، إضافة إلى صلة الألفة بين أقارب الزوج والزوجة، وهذا كلام نفيس، ينسف ما يزعمه دعاة الكراهية، من أن على المسلم أن يضمر البغض لأهل الكتاب!

8- الجمع بين مصالح الدنيا والآخرة: فصحة الأبدان مقدمة على صحة الأديان، راعى الإسلام سلامة البدن كما أوجب العناية بسلامة الروح، وأباح الزينة والطَّيِّبَات والتوسع في التمتع بالمشتهيات، بشرط القصد والاعتدال وحسن النية "قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ"، ونهى عن الغلو في الدين، وفي طلب الآخرة، فيهلك دنياه وينسى نفسه منها "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا".

ختاماً: كتاب بهذه الأهمية، جدير بأن يقرر على طلابنا، وهو تحصين لعقولهم ونفوسهم من وباء التطرّف والكراهية.

* كاتب قطري

back to top