"الاقتصاد هو إحدى ركائز الازدهار في الدول وتقدمها، ولا يخفى علينا أن القضايا السياسية العالمية إذا ما بحثنا في جوهرها سنجدها ذات أسباب اقتصادية، وتسعى الكويت إلى تطوير الاقتصاد، وسبق أن حذرت من مخاطر النمط الاستهلاكي في مجتمعنا وتزايد الإنفاق الحكومي الاستهلاكي الذي لا طائل منه ولا عائد، وذلك على حساب مجالات التنمية والاستثمار في ظل انخفاض أسعار النفط عالمياً، والذي أدى إلى تراجع في إيرادات الدولة بحوالي ستين في المئة، في حين استمر الإنفاق العام على حاله بدون أي تخفيض يتناسب مع انخفاض سعر النفط، وهذا ولّد عجزاً في ميزانية الدولة يثقل كاهلها ويحد من طموحاتنا التنموية. ولذلك لابد من المسارعة إلى مباشرة إجراءات جادة وعاجلة لاستكمال جهود الإصلاح الاقتصادي وإنجاز أهدافه التي تستهدف ترشيد وتخفيض الإنفاق العام، والتصدي على نحو فعال لمظاهر الفساد وأسبابه ومعالجة الاختلالات التي تشوب اقتصادنا الوطني، حيث إن التأخير يزيد العجز تراكماً والواضع تفاقماً مما يتطلب جهوداً أكبر وكلفة أعلى في المستقبل".
إنها كلمات سامية ومضيئة لسمو أمير البلاد تحدث بها أثناء افتتاحه دور الانعقاد الجديد لمجلس الأمة واضعاً النقاط على الحروف، وداعياً إلى سرعة اتخاذ الإجراءات الاقتصادية الكفيلة بدعم اقتصاد الكويت وتنويع مصادر دخلها، نعم فسموه وضع أمام السلطتين حقائق الأزمة وأبعادها، وطلب من المجلس والحكومة المسارعة إلى اتخاذ تدابير وإجراءات إصلاحية عاجلة لتصحيح المسار الاقتصادي بالبحث عن مصادر أخرى للدخل تعزز قدراتنا وإمكانياتنا.إن كلمات سموه كانت بمنزلة الرؤية الثاقبة لـ"أبي السلطات" راسماً خارطة طريق لمعالجة الاختلالات الاقتصادية، بغية إفساح الطريق نحو الحلم الذي رسمه بتحويل الكويت إلى مركز تجاري ومالي، وكلنا أمل وطموح لتحقيق هذه الرغبة لتطوير اقتصاد دولتنا الحبيبة، فالاقتصاد في الدول يقوم على عدة ركائز وأساسيات نفطية وغير نفطية، وإذا أردنا التحدث عن الاقتصاد الكويتي فإنه باختصار قائم على مصدر واحد للدخل وهو النفط، وهنا مكمن الخطر، فالجميع يعلم أن النفط مصدر غير متجدد وقابل للنضوب في أي وقت، إضافة إلى عدم ثبات الأسعار العالمية للنفط، فيجب البحث عن مصادر دخل جديدة ومتطورة تدعم اقتصادنا وتدفع بعجلة التنمية إلى الأمام وتحقيق عائدات مالية، وهذا ما ذهب إليه سمو الأمير في كلمته، واضعاً الحكومة والمجلس أمام تحديات جمة، وخيار واحد هو الخروج الآمن من هذه المشكلة بتنويع مصادر الدخل، وألا يتم الاعتماد على مصدر أحادي وهو النفط.لكي نرتقي باقتصادنا الكويتي وبناء اقتصاد قوي قادر على مواجهة التحديات والأزمات العالمية علينا تنويع مصادر الدخل في الدولة من خلال عدة خطوات، أهمها الاهتمام بمشتقات النفط والصناعات القائمة عليه، وعدم الاعتماد على بيع النفط الخام، وتطوير الصناعة داخل البلاد لأنها تعتبر أرقى أنواع الاقتصاد في العالم، ويعتمد تصنيف الدول وتطورها على تطور صناعتها، وأبرز مثال هو النمور الآسيوية وتطورها الاقتصادي وازدهار الصناعة فيها، مع تقديم الدعم للبنك الصناعي والمشاريع الصغيرة في البلاد. وقد سعت الكويت إلى تطوير الصناعة من خلال إقامة معاهد فنية ضمن الهيئة العامة للتعليم التطبيقي لإيجاد مخرجات صناعية فنية قادرة على تطوير الصناعة، لكنها للأسف لا تخدم تلك الكوادر في مجالات تخصصها، لذلك لابد من توجيه ومخرجات التعليم التوجيه الصحيح لتقوم بدورها على أكمل وجه في تنمية البلاد مع التأكيد على الاهتمام بالتجارة وتشجيعها وتقديم التسهيلات المناسبة لازدهار النشاط التجاري داخل البلاد من خلال عمليتي التصدير والاستيراد، وتشجيع تجارة "الترانزيت" وتسهيل العمل الفني الصناعي من خلال فتح المجال للمواطنين في إقامة مشاريع إضافية إلى العمل الحكومي لتشجيع المشاريع الخاصة ودعم القطاع الخاص وإعطاء فرصة للشباب ليشاركوا في دفع عجلة الاقتصاد والتنويع في مصادر الدخل الخاصة، وبالتالي تعود عائدتها بالنفع على الدولة والمجتمع، فالمشاريع الصغيرة تلقى الدعم من الدول المتقدمة لترتقي باقتصادها، فلماذا لا يتم دعمها؟نهاية القول: إن سمو أمير البلاد كشف عن مواقع الخلل من خلال النطق السامي، وعلى السلطتين التشريعية والتنفيذية أن تأخذا كلماته المضيئة نبراساً للخروج من ظلام الأزمة الاقتصادية والعجز المالي إلى آفاق اقتصادية ومالية واسعة تقودنا إلى بر الأمان.
مقالات - اضافات
«النطق السامي» يرسم خريطة الإصلاح الاقتصادي
31-10-2015