لقد ربحت القوات المسلحة المصرية المعركة الشرسة ضد الإرهابيين، وبرهنت على أنها عمود الدولة الوطنية في مصر، ودرعها الحامية، وسيفها البتار، وكما نجحت في صد هذا الهجوم الإرهابي فإنها ستنجح بكل تأكيد في استخلاص العبر منه، وتعزيز قدرتها على الوفاء بدورها نحو بلادها والعالم العربي بأسره.

Ad

في يوم الأربعاء، الأول من يوليو الجاري، شن تنظيم "ولاية سيناء" هجوماً شرساً منسقاً على نحو 15 من نقاط الارتكاز الأمنية للقوات المسلحة المصرية في شبه جزيرة سيناء، وهو الهجوم الذي اتضح لاحقاً أن الهدف منه إيقاع أكبر قدر من الخسائر في صفوف الجيش من جانب، واحتلال "جيب" صغير في مدينة "الشيخ زويد"، ليكون منطلقاً لـ "دولة الخلافة" من جانب آخر.

لقد أحبطت القوات المسلحة المصرية الهجوم باقتدار، وأوقعت خسائر فادحة في صفوف المهاجمين، ومنيت بقدر محدود من الخسائر، تمثل بنحو 21 قتيلاً بين صفوفها، فضلاً عن عدد من الجرحى.

ولم تستطع السلطات الرسمية المصرية حصر الخسائر في صفوف التنظيم، الذي سبق أن أعلن مبايعته لـ"داعش"، إلا بعد مرور نحو أربعة أيام من الهجوم، تم خلالها إحصاء أكثر من 240 قتيلاً من الإرهابيين.

وعرض الجيش أفلاماً توضيحية، وأذاع بيانات، وقدم صوراً وتسجيلات، أثبتت، بما لا يدع مجالاً للشك، أن نتيجة المعركة كانت انتصاراً ساحقاً للدولة المصرية على هذا الهجوم "الداعشي".

وعلى عكس ما أراد المهاجمون، فقد فشلوا في تحقيق أهدافهم في إصابة الجيش بخسائر كبيرة، كما أخفقوا في احتلال "الجيب" الذي أرادوا السيطرة عليه، فضلاً عن تفويت الفرصة عليهم في محاولتهم لتقويض الروح المعنوية للقوات النظامية والجمهور، أو الإضرار بصورة الجيش سعياً لهز تماسكه.

يحق للمصريين أن يشعروا بالفخر لأنهم يمتلكون مثل هذا الجيش، الذي جنبهم ويلات كبيرة حدثت في بلدان مثل سورية والعراق واليمن، بسبب احترافيته وبسالته، وقبل هذا، بكل تأكيد، لأنه جيش وطني يعبر عن المجموع العام للمصريين، ويحرس القيم التي توافق عليها أغلب المواطنين، من دون أي حس طائفي أو طبقي أو مناطقي.

ولأن القوات المسلحة المصرية مؤسسة عريقة، تؤمن بضرورة التخطيط الاستراتيجي لكل أنشطتها وأعمالها، فإنها ستسعى بكل تأكيد إلى تقييم أثر تلك العمليات، وتحليل أدائها في مواجهتها، واستخلاص العبر والدروس اللازمة.

غداة تلك الهجمات نشر القائد السابق لسلاح البحرية الإسرائيلي اللواء "آليعازر ماروم" مقالاً مهماً في صحيفة "معاريف"، أشار فيه إلى أن جيش الدولة العبرية يمتلك معلومات استخباراتية "فائقة"، يمكن من خلالها أن يتم تقويض القدرات القتالية لتنظيم "داعش" في أراضي سيناء.

ليست هذه معلومة جديدة؛ فالعمليات التي حاولت تنظيمات مسلحة مختلفة شنها ضد إسرائيل انطلاقاً من أراضي سيناء كانت تجهض معظمها، ببراعة لافتة من الجيش الإسرائيلي، قبل أن تحقق أهدافها.

يعني ذلك أن المعلومات هي أول عوامل صنع النصر في مثل تلك المنازلات، والأهم من ذلك أنها أيضاً يمكن أن تمنع شن الهجمات أساساً، عبر توجيه الضربات الاستباقية لمن يعتزم الهجوم على أي أهداف عسكرية أو مدنية.

فرغم الجاهزية العالية للقوات المسلحة المصرية في صد الهجوم، وقدرتها على استيعاب المفاجأة والرد بقوة وتركيز لافتين، فإنها لم تكن تعرف بطبيعة الهجوم قبل شنه، ولا توقيته، ولا كيف دخلت هذه الأسلحة النوعية، والعربات المجهزة، ولا من أين حصل هؤلاء المهاجمون على ملابس مشابهة لتلك التي يرتديها أفرادها.

إن "ماروم" يحاول أن يوحي بأن إسرائيل تعرف عن التنظيمات الإرهابية في سيناء أكثر مما تعرف مصر، وهو أمر يجب أن تتوقف القاهرة عنده أولاً، لتجد طريقة تعالجه بها، لكن الدرس الأهم من ذلك يتعلق بضرورة أن تكون السلطات المصرية قادرة على نسج شبكة من العملاء، وتطوير آليات متابعة ومراقبة واتصال تمكنها من استيفاء المعلومات الضرورية.

لقد حققت القوات المسلحة المصرية نصراً باهراً، لكن ثمة تضحيات بذلت لإدراك هذا النصر، ولو كان بحوزتها المعلومات الكافية في الوقت المناسب، لربما حققت نصراً أكبر بتضحيات أقل.

وإضافة إلى درس "أهمية المعلومات"، ثمة درس آخر يمكن استخلاصه من تلك الموقعة؛ إذ يبدو أن قتال "داعش" ضمن محيط محلي "متعاطف" أو "متعاون" مع الحكومة سيفقدها ميزة كبيرة. على الحكومة المصرية أن تجد الطرق اللازمة لخلق التعاطف اللازم في قلوب المواطنين في سيناء، ولمنحهم الأمان والمزايا اللازمة ليحموا ظهر القوات المسلحة في تلك المعركة الشرسة، وهو أمر يحتاج تدبيراً وسياسات منهجية مستديمة.

أما الدرس الثالث من دروس تلك الهجمات، فيتعلق بالإعلام ودوره، لقد أصبحنا مدركين أن الإرهاب يستخدم الإعلام كـ "أداة قتال رئيسة"، وأن نصف معركته تقريباً يشنها في الإعلامين التقليدي والجديد، وأنه يجد مساندة كبيرة من دول ومنظمات ووسائل إعلام دولية وإقليمية نافذة.

يسعى الإرهابيون، ومن يدعمهم في معركتهم ضد الدولة الوطنية المصرية، إلى تقويض الروح المعنوية للمواطنين، وإشاعة اليأس في صفوفهم، وإحباطهم، ليُهزموا قبل أن يحاربوا.

إن ذلك يتم بأساليب عديدة، وعلى رأسها بطبيعة الحال بث الأخبار الكاذبة، التي تفت في عضد الدولة، وتسلب المقاتلين إرادتهم، بعدها سيكون من السهل تسويق أي انتصار هزلي يحرزونه في الميدان باعتباره انتصاراً حاسماً.

على القوات المسلحة أن تمتلك زمام المبادرة الاتصالية من أول لحظة، ولا تتردد في التواصل الفوري مع وسائل الإعلام لإطلاعها على الحقائق أولاً بأول، وفق ما تقتضيه ضرورات الأمن القومي وتأمين العمليات العسكرية، فقد أبلت القوات المسلحة المصرية بلاء حسناً عندما استعادت زمام المبادرة الاتصالية بحلول موعد الإفطار في يوم المعركة، كما عززت ذلك بعدها بالكثير من البيانات والأفلام التوضيحية المترجمة إلى أكثر من لغة، وبموازاة ذلك قامت الحكومة ووزارة الخارجية بجهود جيدة لإطلاع المراسلين الأجانب والبعثات الأجنبية على حقائق الأوضاع.

لقد ربحت القوات المسلحة المصرية تلك المعركة الشرسة، وبرهنت على أنها عمود الدولة الوطنية في مصر، ودرعها الحامية، وسيفها البتار، وكما نجحت في صد هذا الهجوم الإرهابي فإنها ستنجح بكل تأكيد في استخلاص العبر منه، وتعزيز قدرتها على الوفاء بدورها نحو بلادها والعالم العربي بأسره.

* كاتب مصري