لم أحاول في ما سبق الاقتراب من أحاديث ما نُسب إلى النبي، عليه الصلاة والسلام، على لسان القاصين والرواة، كي لا أدخل في جدالات عقيمة!

Ad

فليس هدفي هنا سوى تسليط الضوء على: "إنما أنا بشر مثلكم"، والتأكيد عليها من خلال إظهار ما يتنافى مع العقل البشري في الدعوة الإنسانية العقلانية التي جاء بها، وأثقلتها المواريث بالأقوال، والأساطير، والخرافات التي أدت إلى ما يجري من التباسات عند كثيرين عبر تاريخنا الإسلامي مع الأسف!

وأسطورة ليست بعيدة في لفظها، ودلالتها عن اليونانية HISTORIA ومعناها يتلخص في: "الإخبار عن الماضين"!

وليس الهدف هنا التعريف اللغوي للأسطورة، بقدر ما هو الوقوف على الأساطير والخرافات التي ازدهرت صناعتها ونسبتها إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وصحابته رضوان الله عليهم!

ومادمنا قد جئنا على كلمة "الخرافة" - فهي لم ترد في القرآن الكريم - لكننا سنقف على نقاط وردت فيها:

- يقال إن رجلاً من بني عذرة، أو من جُهينة، اختطفته الجن، ثم رجع إلى قومه فكان يحدثهم بأحاديث خرافة مما رأى يُعجب منها الناس فكذبوه!

- ومنها الحديث النبوي الشريف: "وخرافة حقٍ"!

- والحديث المروي عن السيدة عائشة: أنه قال لها حدّثيني.. قالت: ما أحدثك حديث خرافة؟!

- ومنها بيت الشعر المنسوب لديك الجن:

              حياةٌ ثم موتٌ ثم حشرٌ   ...    حديث خرافة يا أم عمرو!

إذاً الخرافة هي خطاب باطل لا أساس له، والخرافة كما وصفها الجاحظ في كتاب "الحيوان": الهذر، والسخف، والكذب، والباطل المنافي للجد والحقيقة. ويقول في موقع آخر: "وهذا من خرافات أعراب أهل الجاهلية"، (كتاب الحيوان صفحة 94).

* * *

أكتفي بهذا القدر الضئيل جداً في التعريف التاريخي للأسطورة والخرافة، لألج إلى لب الموضوع من حيث انعكاس الخرافة والأسطورة التي تلبست بلباس الإسلام من خلال أطهر رموزه، وهو النبي عليه الصلاة والسلام:

فمن غير المنطقي أن يُؤخذ ما كان يردد قبل ظهور الإسلام من قصص وأساطير وخرافات تاريخية وجغرافية، والحديث عن القبائل البائدة مثل: ثمود، وطسم، وجديس، أو قريبة العهد من الإسلام مثل: جُرهم، وخزاعة، ثم أحاديث الجن وقبائلهم، وقصة خلق البشر منذ آدم وحواء، وتبلبل الألسن في بابل، والمبالغة في قصص عاد، ونوح، وعناق، وسُطيح، فضلاً عن أخبار عرب ما قبل الإسلام ودياناتهم وما يُؤثر من أقاويلهم في الغيلان، والهواتف، والعنقاء، وأخبار أخرى تشتمل على خرافات خلق الخيل، وخلق النخيل، وأساطير وخرافات لا أول لها ولا آخر، وكلها تحتوي على استشهادات قرآنية، وأحاديث تُنسب إلى رسول العقل عليه الصلاة والسلام. ومازال هناك من يأخذ بها ويرى أن مجرد الحديث عنها خروج على الدين!

وإلا هل يُعقل أن يرد مثل هذا الكلام منسوباً إلى ثقات عن بدء الخلق، كما ورد في "الطبري" بالجزء الأول صفحة 26، والبدء التاريخي للمقدسي صفحة 146:

"إن الله تعالى خلق شجرة لها أربعة أغصان فسماها شجرة اليقين، ثم خلق نور محمد في حجاب من درة بيضاء كمثل الطاووس ووضعه على تلك الشجرة، فسبّح عليه مقدار سبعين ألف سنة، ثم خلق مرآة الحياة فوضعت باستقباله، فلما نظر الطاووس فيها رأى صورته أحسن صورة، وأزين هيبة، فاستحى من الله تعالى، فعرق فقطر منه ست قطرات: فخلق الله من القطرة الأولى أبابكر رضي الله عنه، وخلق من القطرة الثانية عمر رضي الله عنه، ومن القطرة الثالثة عثمان رضي الله عنه، ومن الرابعة علياً رضي الله عنه، ومن القطرة الخامسة الورد، ومن القطرة السادسة الأرز".

بالله عليكم هل هذا كلام يدخل العقل؟!

يتبع ...