يأتي تنفيذ القصاص، حداً وتعزيراً، في 47 إرهابياً ومحرضاً بناء على الأحكام القضائية النهائية الصادرة بحقهم، لغلو إجرامهم وقتلهم الأبرياء وتفجيرهم، وذلك من محاكم السعودية المختصة، استكمالاً لسلسلة الإجراءات التي اتخذتها السعودية في حربها الشاملة للإرهاب، ضمن استراتيجية متكاملة، سبق أن تكلمنا عنها في مقالة سابقة بعنوان "أكبر تحالف عسكري إسلامي".

Ad

 والمفترض أن مثل هذا الحدث شأن داخلي، لا يثير اعتراضاً خارجيا، فهؤلاء إرهابيون سفكوا دماء الأبرياء وعاثوا فساداً عريضاً، وحرضوا على القتل، وقد لقوا ما يستحقون جزاء وفاقا، لكننا وجدنا جهتين تثيران جدلاً استنكارياً عريضاً وشكوكاً غير مبررة تجاه تنفيذ الأحكام، تمادت إحداهما إلى اقتحام المقار الدبلوماسية السعودية في إيران وتخريبها، مما استدعى رداً سعودياً حازماً بقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع طهران.

 هذا الرد السعودي الحازم وجد تضامناً خليحياً عربياً، لتتصاعد الردود على طهران من الدول الخليحية والعربية ودول أخرى، وتجد طهران نفسها في عزلة دبلوماسية إقليمية متزايدة تضطر فيها إلى الأسف تارة وإلى إلقاء اللوم على جهات خارجة على القانون تارة أخرى.

السعودية ماضية في استراتيجيتها الحازمة لمواجهة الإرهاب، ولن تلتفت أو تهتم بردود الفعل المتشنجة، لكن دعونا نسلط الأضواء على منطلقات هؤلاء المعترضين على الحكم.

أولاً: ردود الفعل الغربية متمثلة بمنظمات حقوقية وإعلاميين غربين ناقمين على السعودية ونشطاء حقوقيين، حديثي عهد بشعارات حماية حقوق الإنسان، تنطلق من أن لهؤلاء جميعاً فلسفة عقابية غربية تمنع تطبيق عقوبة الإعدام على السفاح الإرهابي ولو أباد مدينة كاملة بسكانها، هذه الفلسفة الغربية محورها التعاطف مع المجرم أكثر من الضحية، ولعلنا نتذكر السفاح النرويجي، اليميني المتطرف، الذي ارتكب مجزرة وقتل 77 شاباً نرويجياً بدم بارد وافتخر علناً، هل تعلمون ماذا حكم عليه القضاء النرويجي؟ 21 سنة في سجن 5 نجوم، وسيخرج بعد انقضاء نصف المدة، هكذا تدلل التشريعات الغربية السفاحين! هذه الفلسفة العقابية الفارغة تسعى هذه المنظمات إلى فرضها على الدول، ومن لا يمتثل يشهّر به، لكن هيهات، فالعالمان العربي والإسلامي لا يمكن أن يتقبلا ذلك، ولو حصل لفسدت الأرض وعم الخراب.

ثانيا: أما منطلقات التصعيد الإيراني ودوافعه في اقتحام السفارة والقنصلية السعوديتين وإشعال النيران فيهما، فهي منطلقات انتهازية طائفية، تسعى فيها طهران إلى توظيف إعدام نمر النمر، باعتباره من الطائفة الشيعية، لإثارة الشيعة في المنطقة وبخاصة في المنطقة الشرقية من المملكة، وتحريضهم ضد السعودية، لكن هذا الهدف لم يتحقق، بدليل أن رموزا شيعية، استنكروا هذا التصعيد ورفضوا هذا التدخل في الشأن السعودي، فقال مرشد حزب الفضيلة العراقي آية الله اليعقوبي، آلمنا التوظيف السياسي للحادث من بعض المحتجين على الفعل، والمطالبين بالثأر واستغلالهم الفرصة لتصفية الحسابات مع الخصوم الداخليين والخارجيين، مؤكدا أن هذه الأفعال إساءة.  وكذلك رد المرجع الشيعي الشيخ محمد علي الحسيني، وفضلا عن ذلك فإن المسلك الإيراني في الاعتداء على المقار الدبلوماسية، أمر مستنكر دوليا بحسب المواثيق الدولية التي توجب على إيران حماية السفارات والبعثات الدبلوماسية، ومع أن طهران عبرت عن أسفها للاعتداءات، متعهدة بعدم تكرارها، إلا أن هذا التعهد لا قيمة له، فإيران لها تاريخ عريق، غير مشرف دوليا في سلسلة الاعتداءات على السفارات واحتجاز الدبلوماسيين منذ الهجوم على السفارة الأميركية ١٩٧٩ بهدف المساومة والابتزاز، لذلك ردت الرياض بعدم قبولها الاعتذار موضحة أن عودة العلاقات مرهونة بتغيير السلوك العدائي، والكف عن التدخل في الشؤون الداخلية.

ختاماً: تثبت الاعتداءات الإيرانية على المقار الدبلوماسية فشل المراهنة الأميركية والغربية على تغير السلوك الإيراني بعد الاتفاق النووي، فإيران لا تعرف إلا لغة واحدة، لغة المواجهة الحازمة وأساليب الضغط والعزل والمحاصرة والعقوبات، لقد آن لإيران أن تدرك أن زمن سياسة "الأدب الجم" معها قد ولى، والخليج اليوم في زمن "الحزم والحسم"، وأن حصاد أربعة عقود من "الجيرة السيئة" معها يثبت بجلاء أنها لا تحترم إلا الأقوياء الحازمين، وأن نظام ولاية الفقيه هو آخر من يتحدث عن الإعدامات، فوفقاً للمنظمات الدولية الحقوقية نفذت إيران الإعدام بـ700 شخص خلال 6 أشهر، فلا خيار أمام الخليج إلا دعم ومساندة الموقف السعودي بقوة، فالقضية قضية وجود لا حدود.

* كاتب قطري