ما يجري في العراق يشير، حتى الآن، إلى أن هناك "صحوة" وطنية وقومية ضد الهيمنة الإيرانية المستمرة والمتواصلة منذ نحو اثني عشر عاماً على هذا البلد العربي، وعندما يهتف أهل الجنوب وأهل البصرة تحديداً: "إيران برّا برّا والعراق حرة حرة"، فإن هذا يعني أن كيل العراقيين قد طفح، وأنه لم يعد هناك مجال لتحمل المزيد من التدخل الإيراني السافر في شؤون بلاد الرافدين، ونهب خيراتها، والتحكم في كل شيء فيها.
ولعل ما يجب التوقف عنده والتَّنبه إليه وتقديره والمراهنة عليه، حاضراً ومستقبلاً، هو أنَّ من قاد هذه الانتفاضة هو السيد مقتدى الصدر، وأن المشاركة الأساسية فيها هي للعرب الشيعة، الذين لا شك أن ولاءهم المذهبي سيبقى على ما هو عليه، لكن ولاءهم الوطني هو للعراق، وولاءهم القومي هو لأمتهم العربية، وأنهم لم يعودوا قادرين على تحمل الهيمنة الفارسية، وعمليات السلب والنهب التي يقوم بها سماسرة وأتباع فيلق القدس وقاسم سليماني وحراس الثورة والمخابرات الإيرانية. إن المعروف، وهذا لا جدال ولا نقاش فيه، هو أن العراقيين، إنْ لم يكونوا كلهم، بسنَّتهم وشيعتهم، فمعظمهم يريدون علاقات أخوة وحسن جوار مع إيران وشعبها، لكنهم بالتأكيد لا يمكن أن يبقوا يتحملون عمليات السلب والنهب التي واصل القيام بها الذين يعتبرون أنفسهم جزءاً من "التركيبة" الإيرانية في بلاد الرافدين، من سماسرة و"نهَّاشين" ومخبرين ومخابرات وتنظيمات مذهبية وطائفية تفرض نفسها على العراقيين بقوة السلاح، باسم حراس الثورة وقاسم سليماني وفيلق القدس. مئات المليارات من أموال الشعب العراقي اختفت في عهد نوري المالكي غير الميمون، ولا أحد استطاع أن يعرف أين ذهبت، هل إلى المجهود الحربي لنظام بشار الأسد المستمر في تدمير سورية وذبح الشعب السوري، أم إلى حسن نصر الله وحزبه "حزب الله"، أم إلى حسابات اللصوص و"الحرامية" الذين تناوبوا على حكم البلاد أكثر من اثني عشر عاماً، وفقاً للمعادلة السياسية البائسة التي رسمها سيئ الصيت والسمعة المندوب السامي الأميركي بول بريمر، والتي لا يزال يتمسك بها المتآمرون والفاسدون والمفسدون ويصرون عليها حتى الآن؟ وهكذا فإن مرجعية النجف الأشرف العربية، التي استمرت عربية على مدى تاريخ متقلب طويل، لم تسلم من محاولات السَّطو والسرقة و"السَّلبطة"، ولولا وقفة السيد علي السيستاني، أدام الله ظله، الشجاعة لتمّ ترحيل هذه المرجعية من جوار مرقد علي بن أبي طالب، رضي الله عنه وأرضاه، وكرَّم الله وجهه، إلى "قُم"، التي ترقد في تربتها السيدة معصومة ابنة موسى الكاظم، وأخت الإمام علي الرضا رحمهم العلي القدير كلهم. على "الأشقاء" الإيرانيين أن يفهموا أنهم عندما يرفضون أي تدخل خارجي في شؤونهم الداخلية، فإن عليهم أن يحترموا ويقدروا رفض الشعب العراقي، بسنته وشيعته وكل مكوناته الدينية الأخرى، لتدخلهم في شؤونه، وخصوصاً التدخل السافر والبشع والمستمر منذ أكثر من اثني عشر عاماً، الذي اقترن بالفساد والنهب والسلب، وفرض فاسدين ومفسدين على العراقيين بالترهيب والعنف والقوة. إنه لم يعد ممكناً أن يتحمل أبناء العراق، على مختلف مللهم ونحلهم، أنْ تبقى إيران، من خلال أجهزتها المنتشرة في كل المناطق العراقية، تحمي الذين أفقروا البلاد، وأهانوا العباد، والذين عاثوا في الأرض فساداً بحماية حراس الثورة والحشد الشعبي وقوات بدر وقاسم سليماني.
أخر كلام
العراق: إيران «برَّا برَّا»!
26-08-2015