السياج الجيد يجعل الحياة أكثر أمناً
تم بناء السياج حول أبيرداير بعناية ودقة طوال 21 سنة، وتم دعمه بشكل رئيس من القطاع التجاري في كينيا والمتبرعين من الأفراد والمبادرات المبتكرة لجمع التبرعات مثل مبادرة هجوم وحيد القرن، حيث تجمع هذه المبادرة أكثر من مليون دولار أميركي سنوياً.
عادة ما يتم انتقاد الدول الإفريقية بسبب فشلها في التغلب على تحدياتها البيئية، والمراقبون عادة ما يستشهدون بخسارة البيئة الطبيعية في وجه النمو السكاني وتردي وضعية الأراضي والتصنيع، وهناك أيضا التهمة الأكثر شيوعا على الإطلاق، وهي أن زيادة الصيد غير المشروع يعرض أنواعا مثل الفيلة ووحيد القرن للخطر.لكن في كينيا هناك حاليا مشروع مبتكر ومكثف للحفاظ على البيئة، ولقد بدأ مشروع «سفينة وحيد القرن» في جبال أبيرداير في وسط كينيا في الأصل من أجل حماية وحيد القرن الأسود، والمعرض للانقراض بشكل كبير من انتهاكات الصيادين غير الشرعيين، وهو يحظى الآن بدعم الناس الذين كان من الممكن أن يقاوموه، أي المجتمعات المحلية في بعض أكثر المناطق الزراعية إنتاجية في البلاد.
لقد قرر المحافظون على البيئة سنة 1988 تمويل سياج كهربائي وبنائه لحماية منطقة ضمن منتزه أبيرداير الوطني محاذية لمزارع صغيرة، إذ تم تصميم السياج لمنع تطفل الناس، ووقف تردي البيئة الطبيعة للمنتزه، لكنه كان يحمي المزارعين كذلك، والذين كانت محاصيلهم تتعرض للتدمير على الدوام من الفيلة الغازية وغيرها من الحيوانات البرية، ورحب المزارعون المحليون بالمبادرة مما ساهم في اتخاذ قرار توسعة السياج لإحاطة محيط كامل نطاق أبيرداير.وإن جبال أبيرداير التي تشمل 2000 كيلو متر مربع من الغابات الطبيعية، ومناطق حيوية لتجمع المياه، بالإضافة إلى منتزه طبيعي تعتبر مهمة جدا بالنسبة إلى كينيا، فأربعة من أكبر أنهار البلاد التي تتدفق شمالا وغربا وشرقا وجنوبا تبدأ هناك؛ مما يوفر المياه والطاقة لسبع بلدات رئيسة، بما في ذلك العاصمة نيروبي، وفي المنحدرات السفلى للجبال هناك أربعة ملايين مزارع يستفيدون من التربة الخصبة والأمطار الوفيرة، وفي سفوح الجبال والمنحدرات العليا يتم إنتاج 30% من الشاي و70% من القهوة في كينيا.لقد تم بناء السياج حول أبيرداير بعناية ودقة طوال 21 سنة، وتم دعمه بشكل رئيس من القطاع التجاري في كينيا والمتبرعين من الأفراد والمبادرات المبتكرة لجمع التبرعات مثل مبادرة هجوم وحيد القرن، وهي إحدى فعاليات السيارات على الطرق الوعرة التي ألهمت الشعب الكيني، حيث تجمع هذه المبادرة أكثر من مليون دولار أميركي سنويا، ولكن بحلول اكتمال بناء السياج الكهربائي سنة 2009 أصبحت الحكومة، تحت حكم الرئيس آنذاك مواي كيباكي، شريكا ضروريا بالتعاون مع خدمة الحياة البرية الكينية وخدمة الغابات الكينية اللتين شاركتا بشكل مكثف في المشروع.لقد استطاع مشروع سفينة وحيد القرن بدعم من الحكومة الكينية أن يلفت الانتباه إلى مناطق حرجية أخرى تعاني التدهور مثل جبل أيبورو في مجمع غابات ماو الذي يطل على بحيرة نيفاشا وجبل كينيا، وهو موقع للتراث العالمي الذي تأثر بشكل كبير بسبب الصراع بين الإنسان والحياة البرية. لقد تم اكتمال السياح الذي يبلغ طوله 45 كيلو متراً في العام الماضي، فسياج جبل كينيا الذي يبلغ طوله 450 كيلو مترا سيكون أطول من مشروع أبيرداير وهو الآن يتقدم بسرعة حيث تم إكمال 80 كيلو مترا. بالطبع بناء السياج هو البداية فقط، فالسياجات تجب إدارتها وصيانتها (فعلى سبيل المثال كانت هناك حاجة لاستبدال بعض أعمدة السياج الأصلية في أبيرداير) وممرات الحياة البرية يجب تطويرها، والمجتمعات المحلية بحاجة للدعم، وكل المناطق موضوعة تحت المراقبة عن طريق الدوريات الجوية وعلى الأقدام على طول خط السياج، وهي عملية مراقبة مستمرة وبتكلفة كبيرة.لكن الفوائد كبيرة، فالسياج يجعل السلطات متيقظة تماما لحوادث الصيد غير المشروع، وخصوصاً للفيلة ووحيد القرن والأنواع المعرضة للانقراض بشكل كبير مثل ظبي جبل بونغو الذي يوجد حاليا فقط في أبيرداير وجبل كينيا ومجمع غابات ماو بما في ذلك جبل أيبورو.إن المجتمعات المحلية منخرطة في جميع المناطق في صيانة السياج والغابة، وفي واقع الأمر أصبحت تلك المجتمعات حامية للسياج، وذلك بإزالة النباتات عنه، وإصلاح الأضرار التي تتسبب بها الحيوانات البرية وغيرها من العوامل الأخرى، علما أنهم يتعلمون مهارات جديدة وهم يقومون بتلك الأعمال.إن الهدف على المدى الطويل هو حماية تلك الغابات الحيوية إلى الأبد، ومن أجل تحقيق ذلك يتم تأسيس الصناديق الوقفية كشراكة بين القطاعين العام والخاص؛ مما يجمع معا مشروع سفينة وحيد القرن وخدمة الحياة البرية الكينية وخدمة الغابات الكينية وممثلين عن المجتمعات المحلية، وإن ما يطلق عليه صكوك الثقة التي تم تأسيسها محليا ستدير تلك الصناديق، التي ستدفع في نهاية المطاف تكاليف صيانة السياج، فأصبح صك الثقة لأبيرداير فاعلا منذ أكتوبر الماضي.وبإمكان المزارعين الكادحين في المنطقة الإحساس بالقيمة المضافة للتعايش بوجود السياج، ومنذ إكمال سياج أبيرداير تضاعفت قيمة أراضي المزارعين المحليين بمقدار أربعة أضعاف، حيث بإمكانهم العمل في حقولهم بسلام للمرة الأولى منذ أكثر من قرن، وبإمكان أطفالهم أن يذهبوا إلى المدرسة، ويعودوا منها بدون الخوف من مهاجمتهم من الحيوانات البرية، والآن أصبحت المحافظة على البيئة جزءا من المنهاج الدراسي، والدرس الرئيس درس بسيط وواضح وهو أن السياج الجيد بالفعل جيد للجميع.كريستيان لامبريكتس* مسؤول سياسات وبرامج سابق في برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ويعمل حاليا مديرا تنفيذيا لصندوق سفينة وحيد القرن الخيري.«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»