ما يجب قوله لـ «موسكو»!
ألا يعني تحالف روسيا وإيران مع نظام بشار الأسد والنظام العراقي، المتأرجح بين السيد علي السيستاني وتوجهاته الإيجابية وبين ذوي الرؤوس الحامية في طهران وأيضاً مع "حزب الله" اللبناني، أن هناك استقطاباً واضحاً ضد الأكثرية الإسلامية والعربية؟ وهذا في حقيقة الأمر قد يبدو مستغرباً من دولة الاتحاد الروسي، لكنه غير مستغرب من الذين يتنفسون مذهبية وطائفية، والذين بتصرفاتهم الطائشة، خصوصاً في سورية والعراق، قد أدخلوا هذه المنطقة في هذا النفق المظلم، وأشغلوها عما يجري في فلسطين، حيث وجد بنيامين نتنياهو أن الفرصة غدت سانحة ليستفرد بالشعب الفلسطيني على هذا النحو، وبطريقة تشكل نسخة القرن الحادي والعشرين من الأفعال النازية. في العادة هناك توافق بين العرب، على مختلف مشاربهم ورغم بعض تعارضاتهم السياسية، على أن روسيا دولة صديقة تقف باستمرار إلى جانب القضايا العربية، لاسيما قضية فلسطين، وكان هذا هو واقع الحال في عهد الاتحاد السوفياتي، حيث كان هناك صراع المعسكرات، وكانت الحرب الباردة، وكانت بعض الدول العربية تقف مع المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، في حين أن دولاً عربية أخرى كانت تساند المعسكر الشرقي، وتقف معه بتأييد ودعم تيارٍ شعبي عامٍ متلائم مع التوجهات اليسارية والقومية، التي شهدت نهوضاً كبيراً في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.
هذه حقائق مستمرة رغم مشكلة الغزو السوفياتي لأفغانستان، ورغم تقلبات السنوات الأخيرة قبل انهيار الإمبراطورية السوفياتية، وبعد ذلك، وفي مقدمة هذه الحقائق أن الوجدان العربي انتقل من مساندة وتأييد موسكو الشيوعية إلى تأييد روسيا الجديدة، والسبب أن العرب كانوا وما زالوا يعتبرون، وهو اعتبار صادق وصحيح، أن المشكلة تكْمُن في "سايكس - بيكو"، وفي تأييد الغرب المتفوق لإقامة إسرائيل في فلسطين، وفي انحيازه المستمر، دائماً وأبداً، ضد القضايا العربية سابقاً ولاحقاً حتى الآن... حتى هذه اللحظة! لكن ما يجب قوله للأصدقاء الروس، ونحن نلمس كل هذه المتغيرات الخطيرة الأخيرة في المواقف الرسمية لدولتهم تجاه الأزمة أو المشكلة أو المأساة السورية، التي تؤرق العرب كلهم، وتؤرق معهم غالبية إسلامية يشمل مجالها الحيوي العالم بأسره، ومن ضمنه، بالتأكيد، روسيا الاتحادية، هو أنه لا مصلحة لروسيا (الصديقة)، على الإطلاق، في أن تشارك في حلف تقوده إيران، وتغلب عليه السمة المذهبية "الفاقعة"، وأحد أهم أهدافه المعلنة على رؤوس الأشهاد الحفاظ على بشار الأسد ونظامه، خلافاً لإرادة الشعب السوري، رغم كل التضحيات التي قدمها هذا الشعب سابقاً... ولاحقاً خلال السنوات الخمس الأخيرة. إنه لا اعتراض إطلاقاً على أن يكون لروسيا حضور فاعل في كل قضايا الشرق الأوسط وفي مقدمتها، بعد القضية الفلسطينية، هذه الأزمة السورية التي غدت بمثابة قنبلة موقوتة تهدد هذه المنطقة والشرق الأوسط كله، فروسيا دولة متاخمة لهذه المنطقة تؤثر فيها وتتأثر بكل ما يجري بها سلباً وإيجاباً... وروسيا، بناءً على هذا العامل وعوامل أخرى كثيرة، أولى بالتعاطي مع أوضاع الشرق الأوسط من كل الذين يمدون أيديهم من وراء بحور الظلمات... والمقصود هنا، بالتحديد، الولايات المتحدة الأميركية. إننا نعرف كل هذه الحقائق وندركها، لكننا، في الوقت ذاته، نعرف أنه ليس من مصلحة روسيا والشعب الروسي، ولا من مصلحتنا في هذه المنطقة والشرق الأوسط، أن تتكرر المأساة الأفغانية في "الجمهورية العربية السورية"، وأنْ يشعر العرب والمسلمون بأن هذه الدولة الصديقة تدعم حاكماً ظالماً ومستبداً ضد شعبه، وأنها تضع نفسها في تحالف بسمة مذهبية وطائفية معادية للأغلبية "السنية" في سورية والأمتين العربية والإسلامية... وهنا فإن الخوف كل الخوف أن ينعكس هذا كله على الأوضاع الداخلية الروسية. من حق روسيا أن تستهدف "داعش"، لأنه سيستهدفها لاحقاً لا محالة، إن عاجلاً أو آجلاً، لكن ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو أن إضعاف المعارضة السورية (المعتدلة) سيقوي هذا التنظيم الإرهابي، والإبقاء على بشار الأسد ونظامه سيحول سورية إلى مستنقع للعنف والاقتتال والتذابح، إضافة إلى أن الاصطفاف إلى جانب إيران وأتباعها في حلف بغداد الجديد سيعمق الصدام المذهبي والطائفي في هذه المنطقة، وسيدفع الأغلبية "السنية" دفعاً إلى استقطاب مضادٍ لهذا الاستقطاب الذي تقوده طهران.