ليس معقولاً أن يكون بمقدور 3 دنانير أو أقل رفع مؤشر التداول من السالب إلى الموجب، مما يشكل إيهاماً للمتداولين وإساءة بالغة لسمعة السوق، وبهذا لعل البورصة تدفع اليوم ثمن فترة تم فيها استسهال إدراج شركات لا تستحق أن يطلق عليها حتى وصف «بقالة».

Ad

لم تعد ازمة البورصة الكويتية تنحصر فقط في هبوط اسعار المؤشرات السعرية او الوزنية او حتى تراجع اسعار شريحة كبيرة من الاسهم دون القيمة الاسمية، بل باتت الازمة ترتبط اليوم بتراجع لافت في السيولة المتداولة، فرغم ان بورصة الكويت تعتبر اكبر الاسواق الخليجية من حيث عدد الشركات المدرجة، فإنها تأتي في المرتبة الخامسة من بين 7 اسواق خليجية من حيث مستوى السيولة النقدية، مما يعكس فجوة كبيرة بين حجم السوق - عدديا على الاقل - ورغبة المستثمرين في الرهان على السلع المطروحة فيه.

الكويت والسعودية

فبورصة الكويت تضم 191 شركة، في حين يضم سوق الاسهم السعودي 166 شركة، ومع ذلك تصل تداولات "السعودي" - شهريا- نحو 34 ضعفا للسوق الكويتي، كذلك لا يصل اجمالي الشركات المدرجة في اسواق دبي وأبوظبي وقطر مجتمعة إلى عدد الشركات المدرجة في بورصة الكويت، غير أن كل واحدة من هذه البورصات منفردة تتداول في شهر واحد ما يوازي 1.5 مرة الى 3.2 مرات من تعاملات سوق الكويت خلال نفس الفترة.

لا شك ان هذه الارقام تعطي مؤشراً عن ازمة كبيرة في بيئة البورصة الاستثمارية يعبر عن جانب منها النمو المتواصل في ودائع القطاع الخاص، الذي بلغ حسب اخر افصاح لبيانات بنك الكويت المركزي عن شهر يوليو الماضي، 33.71 مليار دينار بنسبة نمو 3.8 في المئة منذ بداية العام، فضلاً عن نمو يناهز 100 في المئة منذ بداية الازمة المالية العالمية عام 2008، وبالتالي فإن الجهد يجب ان ينصب على جذب جانب من هذه السيولة الى البورصة... ولكن كيف؟

استقطاب وإدراج

اول خطوة تتمثل في استقطاب الشركات التشغيلية المحلية و الاقليمية (خصوصا العائلية) للادراج في البورصة، وهي شركات تشكل قيمة مضافة في قطاعات خدمية وغذائية وصناعية وغيرها، فهذه الشركات ستمثل استثماريا خيارا جيدا للمستثمرين مقابل عشرات الشركات غير المنتجة في البورصة والتي باتت تمثل عبئا على التعاملات والمؤشرات ولا تستقطب اكثر من 5 في المئة من اجمالي السيولة، رغم ان عددها يوازي نصف الشركات المدرجة في البورصة!

وهنا يجب عزل الشركات شبه معدومة التداول في منصة خاصة - افضل من الانسحاب من البورصة - كي لا تؤثر على الاقل في حسبة المؤشرات والاقفالات، فمن غير المعقول ان يكون بمقدور 3 دنانير او اقل رفع مؤشر التداول من السالب الى الموجب مما يشكل ايهاما للمتداولين وإساءة بالغة لسمعة السوق.

ولعل البورصة اليوم تدفع ثمن فترة تم فيها استسهال ادراج شركات لا تستحق ان يطلق عليها حتى وصف " بقالة".

ترقية وأدوات

كذلك من المهم العمل على ترقية بورصة الكويت الى مستوى الاسواق الناشئة حسب تصنيف مورغان ستانلي (MSCI) وهو ما سبقتنا فيه بورصات أبوظبي ودبي وقطر، وتستعد السعودية للترقية عام 2016 وهي ترقية تتيح لهذه الاسواق استقطاب المزيد من الاموال الاجنبية واضفاء تقاليد مهنية اكثر على التعاملات بما يتوافق مع مستوى هذه الاسواق وتقاليدها المهنية.

فمن مميزات الانضمام الى مؤشر MSCI للأسواق الناشئة انه يعتبر المؤشر المرجعي لأسواق الأسهم العالمية الناشئة لدى العديد من المستثمرين الأجانب ومديري الصناديق لدرجة أن نحو 70 في المئة من مديري صناديق الاستثمار في أوروبا يستخدمونه لقياس الأداء.

مشاريع وإنفاق

في الكويت لدينا مجموعة من المشاريع التي تطرحها الدولة على شكل مناقصات، ورغم التحفظ عن هذه الالية التي عفا عليها الزمن لوجود مشاريع شراكة "بي بي بي " و"بي او تي " يمكن ان تحقق الهدف ذاته بكلفة اقل على المال العام فضلاً عن توفير فرص عمل، فإن المشاريع التي تطرح كضرورة على شكل مناقصة يفضل ان تكون لصالح شركات مدرجة كي تكون الاستفادة اكبر لصالح القطاع التشغيلي في البورصة.

وعلى سبيل المثال مشروع الوقود البيئي اذا تم التسليم بضرورة طرحه كمناقصة تبلغ قيمته 4.6 مليارات دينار، فإن ترسية حزمه المختلفة تمت على شركات غير مدرجة، فلم تكن هناك اي فائدة مرجوة لا للشركات المدرجة ولا مساهميها، مع العلم ان وجود فرصة للشركات المدرجة لتنفيذ المناقصات الضرورية سيحفز العديد من شركات المقاولات غير المدرجة للادراج، مما سيخلق قيمة مضافة في السوق.

 ولا بد من التأكيد ان البورصة اصلا تشكو غياب الادوات الاستثمارية، مما يجعل التداول يجنح نحو الأداء الفردي اليومي، فالسوق الكويتي حتى الآن لا يتعامل بالبيع على المكشوف أو الشراء المستقبلي، إضافة إلى عدم وجود صانع سوق معترف به رسمياً يؤدي أعماله بشكل قانوني ليتدخل في حال حدوث اختلالات في أداء السهم ويكون هذا الصانع معتمداً ومعروفاً للجميع.

بيئة استثمار

كي تتمكن من التداول في البورصة بشكل سليم يجب ان تكون هناك بيئة استثمارية سليمة اصلا في البلد وهذا لا يعني مساعدة أو دعم الشركات المتعثرة أو الموقوفة لتسدد ديونها على حساب الدولة، بل طرح مشاريع البنية التحتية وخلق فرص استثمارية كي يتم تنشيط الدورة الاقتصادية، فعندما تطلق الحكومة المشاريع فسيرتبط هذا الأمر بحركة شاملة في القطاع المصرفي الذي سيتولى تمويلها، والقطاع العقاري الذي سينفذها، والصناعي الذي ستزيد مبيعاته، لاسيما في مجال المواد الإنشائية، وكذلك القطاعات الخدمية واللوجستية، كما سيحرك ذلك كثيرا من اسهم الشركات التشغيلية الجيدة في البورصة، والتي تأثرت أسعارها وأنشطتها بسبب الأزمة المالية العالمية، لا بسبب الإفراط في الديون أو العجز عن سداد الالتزامات.

شحوم زائدة

البورصة اليوم مصابة بشحوم زائدة عن الحاجة تتمثل في ضخامة عدد الشركات المدرجة لكن العلاج بالتأكيد لا يتمثل في اسئصال الشحوم دون علاج متكامل وتدريجي، كما ورد أعلاه، لاسباب هذه التخمة التي جعلت السوق منبوذا حتى من مستثمريه.