زيارة بشار الأسد لموسكو ولقاؤه فلاديمير بوتين كانا مفاجأة تحتمل عدة تنبؤات وتوقعات وتصورات، فالوقت مفاجئ، والضيف مفاجئ، وأيضاً طريقة الاستقبال كانت استثنائية، وواضح مدى الاهتمام الذي حظيت به تلك الزيارة من قبل موسكو.  هنا لا أتحدث عن مدح ولا ذم، وليست مهمتي أن أمدح هذا أو أذم ذاك، لكنها زيارة تاريخية عليها ألف علامة استفهام، وتحمل معطيات بحجم سنوات الدمار السورية.  هي زيارة تزدحم بالملفات والمساومات والتحريات عن مواقف الأسد إزاء مواقف غير معلنة لروسيا، فالمعلن أن روسيا شاركت في عمل عسكري في سورية بإذن من الحكومة الشرعية، كما أسمتها القيادة الروسية، لكن غير المعلن: هل هذه القوات سترحل عند انتهاء مهمتها؟ هذا هو السؤال المهم.  وبالتدقيق في ما حدث منذ الدخول الروسي إلى اللعبة الدموية في الشام، نلحظ عدداً لافتاً لسقوط الضحايا من قياديي الحرس الثوري الإيراني! وأيضاً واضح أن المكانة الإيرانية قبل دخول روسيا ليست بنفس الهيبة بعد دخولها، لا أقول تم تهميش إيران، بل قطعاً لم تعد هي إيران قبل تدخل روسيا.  قد يكون الأسد لاحظ عدم قدرة إيران على حسم سريع لمعركة وجوده على رأس السلطة، إذ رغم وجود "داعش" ورغم مساندة الميليشيات المختلفة ألوانها والمتفقة على ضرورة بقاء الأسد رئيساً، فإنها لم تستطع حسم المعركة على الأرض، مثلها مثل المعارضة التي حققت كل شيء، عدا الحسم العسكري نظراً للتكافؤ الميداني بين الأطراف المتقاتلة. علينا التحدث بواقعية على الأرض، لذلك راهن الأسد على القدرات الروسية العسكرية، وبالفعل هو الآن في موقف أفضل بكثير من الأوقات الماضية والداعمون لاستمراره على رأس السلطة يتزايدون، وعلينا تحليل الموقف بطريقة أبسّطها في ما يلي:

Ad

● كانت التوقعات تشير إلى إنهيار حكم الأسد سريعاً مثلما حدث لأنظمة تونس ومصر وليبيا.

● تردد إدارة أوباما وغموضها أو تحفظها الحذر إزاء موقفها من سورية زاد قوة الأسد، لاسيما بعد الدعم الإيراني المعلن بالمال والسلاح والرجال، أضف إلى ذلك الدخول القوي لمساندي الأسد من الميليشيات الطائفية، والتي تحملت عبئاً كبيراً في المجريات العسكرية.

● ضعف الدعم العربي لقوات المعارضة السورية، وأهمها الجيش الحر، مما أثر على الفاعلية العسكرية لهذا الجيش ذي الخط السياسي المرضي عنه عربياً.

وبالطبع هناك أسباب أخرى غير ما ذكرت، والآن تقريباً تتبلور صور مستقبلية للأحداث القادمة، وفي هذه الناحية علينا انتظار ردة الفعل السعودية والتركية حول ما يجري الآن، خصوصاً بعد الاتصالات التي أجراها بوتين، عقب لقائه الأسد، مع الملك سلمان والرئيس إردوغان وغيرهما من القادة. قد تخبئ الأحداث أموراً جديدة، وإن كنت لا أعتقد بمفاجآت قادمة، وأتوقع الترتيب لمرحلة انتقالية يقل بها نفوذ إيران، ويكون الأسد على رأس السلطة مع بقاء أجهزة النظام العسكرية والمدنية على تشكيلاتها بلا تغيير، وإن حصل تغيير فسيكون على الشكل التالي:

1- يتنحى بشار الأسد ويمسك الجيش بمقاليد الحكم، وقد يتكرر النموذج المصري بتسلم عسكري متفق عليه، مقاليد الحكم بعد إجراء انتخابات سريعة.

2- يتم تحصين بشار الأسد، وربما انتقاله وأسرته إلى روسيا أو أي مكان آمن في محاكاة لما جرى مع الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح إبان المبادرة الخليجية.

ما سبق اجتهاد تحليلي، ولا نعلم ما الذي سيحدث في مستقبل الأيام في هذا العالم الحافل بالمفاجآت والأحداث السريعة المتوقع منها، وغير المتوقع.