التدرج قد يضعف القرار «أحياناً»

نشر في 09-01-2016
آخر تحديث 09-01-2016 | 00:01
 يوسف عوض العازمي للدبلوماسية أصول ومداخل ومخارج، وليس كل ما يعلَن هو الحقيقة، والعكس صحيح؛ فالدبلوماسي لديه معلومات وتعليمات، وتواصل مستمر مع الحدث، وفق معايير سياسية وأمنية معينة، يحدد من خلالها كيفية التعامل مع الموقف، والاحتمالات المتوقعة لتبعات القرارات المتخذة على جميع الصُّعُد، محلياً وإقليمياً، ودولياً، والسياسة رمالها متحركة، وكثبانها تنقلها العواصف من مكان إلى آخر، والسياسي الحاذق هو من يترك "شعرة"، لتظل خطوط الرجعة مفتوحة في أي وقت يتطلبه الوضع العام لتحديد الموقف على الأرض.

والسياسة الكويتية الخارجية تتعامل وفق أسس مدروسة، لا تميل كل الميل، ولا تبسطها كل البسط، آخذة في الاعتبار الوضع الحقيقي للبلد، ومعطيات الظروف السياسية والأمنية، وحتى الاجتماعية والثقافية، فالسياسة بحر متلاطم الأمواج، وأن تكون دولة صغيرة بحجم الكويت، في مواجهة تداعيات إقليمية ودولية، قد تتخطى مستواها وحجمها، فإن هذا يوجب عليها أن تتعامل مع أي حدث بالآلة الحاسبة، فتحسب بدقة كل مقتضيات الوضع لاتخاذ موقف متوازن وفق المصالح العليا للبلاد، التي قد تختلف أولوياتها عن أي بلد آخر، فالدبلوماسية الكويتية مسؤولة أولاً عن الكويت قبل أي أمر آخر، وهذا الذي يجب أخذه في الحسبان، وإدراكه جيداً. إذا نظرنا إلى الموقف الكويتي مما جرى الأيام الماضية، من الاعتداء على المقرات الدبلوماسية السعودية في إيران، نجده كأنه يقف على حافة القرار، حيث تبين ثقل القرار وطريقة اتخاذه، منتهجاً المدرسة الدبلوماسية الهادئة (المترددة أحياناً)، ففي البداية أصدرت الحكومة الكويتية بياناً يدين ويستنكر الاعتداءات التي حدثت لسفارة وقنصلية المملكة العربية السعودية الشقيقة في طهران ومشهد، وبعدها تم استدعاء السفير الكويتي من طهران، وآخر إجراء استدعاء السفير الإيراني في الكويت، وتسليمه مذكرة احتجاج على ما حصل من اعتداء على المقرات الرسمية للمملكة في إيران. بحسب القياس العام أجد أن الموقف كان متردداً، ولم يكن متناسباً مع الحدث، ومعطياته، وحتى عناصره، إذ كان الحدث فرصة ذهبية لا تعوض، لفرض إيقاع السياسة الكويتية، وإظهار قوتها، وقدراتها، وإمكاناتها التي تتكون من علاقات دولية راسخة، وسمعة عالمية عطرة، كان التردد الظاهر في اتخاذ القرار، لا يتناسب مع ما حدث، وهنا أتحدث عن الطريقة التدريجية لاتخاذ القرار، في ظني المتواضع كانت خطأ لا يمكن الوقوع فيه، من مدرسة دبلوماسية عريقة كالمدرسة الدبلوماسية الكويتية.

لأوضح أكثر، كان الوقع سيكون أقوى، لو اتخذت القرارات في جلسة مجلس الوزراء، هنا سيكون الموقف أكثر قوة، كان فرصة لإظهار جانب الشدة تجاه الدولة التي طالما أزعجت البلاد، بتداعيات أمنية عدة، منها الشبكة التجسسية، التي دانها صراحة القضاء الكويتي، وبعدها خلية العبدلي، وأثناءها وقبلها وبعدها، فضلاً عن حملات المخدرات التي تتواصل من المهربين، وكذلك الأغذية الفاسدة، وغيرها من الأمور.

أعلم تماماً صعوبة اتخاذ موقف كموقف السعودية والبحرين والسودان، نظراً لظروف معروفة، لكن على الأقل استغلال الحدث للوقوف مع الأشقاء وإظهار التضامن المطلوب، في المرحلة التي تمر بها المنطقة، وهي مرحلة دقيقة، تتحدث فيها المواقف، بينما البنادق مملوءة بالذخيرة.

التضامن مع الأشقاء ليس تبعية، فاستقلال القرار لا يمس، إنما هي لعبة "واحد زائد واحد يساوي ستة"، وهنا أقصد عدد دول مجلس التعاون الخليجي، وحتى يفتح عينيه تماماً و"يصحصح" صاحب القرار في طهران.

الموقف الكويتي كان ممتازاً، لكنه جاء متدرجاً، وهو ما أضعفه، لا أدعي أنني أفضل من الحكومة في اتخاذ القرار، لكنه رأي، ويحتمل الخطأ قبل الصواب... والله من وراء القصد.

back to top