تأكيد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الكابتن جون ديفيس أن وزير الدفاع آشتون كارتر لم يتصل حتى الساعة بنظيره الروسي لمناقشة النشاط العسكري المتزايد لموسكو في سورية، يعكس، في جانب ما، أن واشنطن لا تراودها مخاوف جدية من خطط روسيا المتجددة في هذا البلد!

Ad

على الأقل، هذا ما عكسته تعليقات أحد "المراقبين" الأميركيين على الأحداث المتسارعة في سورية أخيراً، بعدما أكد "البنتاغون" رسمياً أن موسكو بصدد بناء قاعدة عسكرية وجوية ضخمة على الساحل الغربي لسورية.

مسؤول أميركي آخر، أكد أيضاً إن موسكو باتت تدير بشكل كامل مطار دمشق الدولي، وتسعى إلى توسيع مدى بعض مدرجاته ليستقبل طائرات عسكرية ضخمة.

يقول هذا المراقب إن منطق موسكو في سورية ليس مفهوماً إذا كان محاولة منها لتجديد حضور مصالحها في المنطقة.

فهذا الحضور والاستعداد للدفاع عنه، لا يختصر بقاعدة عسكرية، في ما التركة "السوفييتية" التي ورثتها روسيا انهارت أو تلاشت في كل المنطقة.

أفول الدور الروسي من العراق، إلى مصر، إلى اليمن، والصومال، والسودان، لم يتبق منه إلا الجزائر نسبياً ، في ما سورية هي ساحة المواجهة الرئيسية.

وبعد أكثر من أربع سنوات ونصف السنة، فشلت موسكو في الحفاظ على النظام القائم في دمشق، وتسعى اليوم الى مده بأوكسجين إضافي، في حين رقعة سيطرته تتراجع يوماً بعد آخر.

ومع تسارع الانهيارات في محيط دمشق، واحتمال كسر الطوق عن بلدة الزبداني الاستراتيجية في حسابات طهران، وعودة المعارضة إلى القلمون الغربي قبيل فصل الشتاء، يغدو الأمر مغامرة لا يمكن تحصينها بسمعة الجيش الروسي وأسلحته المتقدمة فقط.

تقول أوساط أميركية مطلعة، إن رهان موسكو على تحالف إقليمي تقوده مع إيران درءاً "للخطر السني" على المنطقة، وعلى روسيا، وعلى دول الطوق الإسلامي المحيطة بها، يحتاج إلى قراءة مختلفة منها، لئلا يتحول الأمر إلى مشروع حروب طويلة، البعض يتهم الغرب وأميركا بالتخطيط لها أو، على الأقل، عدم معارضتها.

هكذا تفسر الدعوات لاحتضان اللجوء السوري بدلاً من معالجة أسبابه، في حين تتبارى الدول الأوروبية للظهور بمظهر إنساني، على ما حاول رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون اللحاق به خلال زيارته لأحد مخيمات اللجوء السوري شرق لبنان أمس الأول.

تقول تلك الأوساط إن "لعنة" الوجود الإسلامي والإنقسام السني الشيعي ليست روسيا نفسها بمنأى منها، حيث الأقلية المسلمة فيها تتخطى الـ 20 مليوناً، ناهيك عن إيران وتركيا ودول المنطقة برمتها.

وفي حين لا تواجه أوروبا وأميركا هذه المشكلة عملياً، فإن الرهان الروسي على كسر إرادة الغالبية السنية بالتنسيق والتحالف مع إيران، سيجعل منها هدفاً سهلاً لشتى أنواع ردود الفعل غير المتوقعة، بينما زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري يصعّد بغية تلميع صورة تنظيمه في مواجهة جاذبية تنظيم "داعش".

في واشنطن، هناك من يفسر السلوك الروسي بالخطأ الجسيم اعتقاداً من زعيم الكرملين بأن عدم وجود سياسة أميركية في منطقة الشرق الاوسط فرصة سانحة لملء الفراغ.

لكن من قال إن "عدم وجود سياسة أميركية" ليس سياسة؟ ولنتذكر نصائح مستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي بن رودس صيف العام الماضي، حين دعا الى ترك المنطقة تغرق في صراعاتها وتُغْرِق معها الآخرين.