مخرجون ومؤلفون... يمثِّلون مصادفة أم طموح أم سيطرة؟
ما الذي يشجع المؤلفين والمخرجين على الانتقال من خلف الكاميرا إلى أمامها؟ هل يفعلون ذلك رغبة في إثبات قدراتهم التمثيلية، أم أن الظروف لم تسمح بوجود ممثل يجسد هذه الشخصية أو تلك لضيق الوقت؟
اعتاد الجمهور أن يكون صنّاع الدراما التلفزيونية من مخرجين ومؤلفين خلف كاميرات التصوير، لكن شهدت الدراما في رمضان الماضي اختلافاً في هذا المجال، إذ لم يكتف هؤلاء الصنّاع بموقعهم خلف الكاميرا، بل أضافوا موقعاً آخر لهم أمامها، ليقدموا أدواراً تنوعت بين الكبيرة من ناحية المساحة والتأثير، والمحدودة في مشهد أو ربما أكثر قليلاً.من هؤلاء المخرج هاني خليفة الذي يجسد شخصية هشام صديق حاتم (ظافر العابدين) في مسلسل «تحت السيطرة»، والسيناريست تامر حبيب في دور صاحب ملهى ليلي تغني فيه دليلة (شيرين عبد الوهاب) في مسلسل «طريقي»، المؤلف محمد أمين راضي في مشهد ضمن مسلسله «العهد» مجسداً شخصية المراكبي الذي ينقل المواطنين إلى موقع آخر، المخرج أحمد شفيق في بعض مشاهد مسلسله «ذهاب وعودة»، أيضاً المؤلفة إنجي علاء في دور مذيعة برنامج توك شو في مسلسلها «لعبة إبليس».
تجربة ناجحةفي تصريح لـ «الجريدة» يوضح المخرج هاني خليفة أنه لم يتوقع أن يتفاعل الجمهور مع دوره في «تحت السيطرة»، حتى أن البعض كان يوقفه في الشارع ويطالبه بالكف عن مضايقة زوجته مايا (سمر مرسي)، مشيراً إلى أنه وافق على العمل بعدما تحدث إليه المخرج تامر محسن وقبل قراءته للدور، لافتاً إلى أن هذا العرض التمثيلي ليس الأول الذي يتلقاه، إذ عُرضت عليه المشاركة في أعمال عدة لكن لم يكتب لها الاكتمال.يضيف: «أثناء التصوير لم يخطر ببالي النجاح الذي حققه «تحت السيطرة»، كل معلوماتي أنه سيكون جيداً فحسب، خصوصاً أن الجميع بذل أقصى جهده في تقديم فن راق، والفضل في ذلك يرجع إلى المخرج تامر محسن، إذ تربطنا صداقة، فاطمأنيت إلى العمل معه، وهو من المخرجين الذين أتابع أعمالهم كمشاهد.يعزو خليفة قبوله هذه المشاركة إلى رغبته في خوض هذه اللعبة الفنية، على حد تعبيره، وأن يتلقى تعليمات من شخص آخر، وينفذ رؤيته، «هذا مصدر الجاذبية والثراء، وأعتقد أنه إذا أخرج شخص آخر غير تامر المسلسل، وقدمت معه المجهود نفسه لما خرج مستوى تمثيلي على الشكل الذي خرج به للجمهور.يعتبر نفسه محظوظاً بوجوده مع فريق عمل «تحت السيطرة» لأن الفكرة نفسها فيها تحد ومتعة، ويزداد الأمر حينما تكون ردة الفعل إيجابية، مشدداً على أنه لم يكن ينوي، منذ البداية، تقديم أدوار تمثيلية، لكن علاقته بتامر محسن دفعته إلى خوض هذه التجربة.يعرب السيناريست تامر حبيب عن سعادته بالنجاح الذي حققه مسلسله «طريقي»، كذلك نجاحه في تجسيد شخصية مالك الملهى الليلي الذي تعمل فيه دليلة (شيرين عبد الوهاب)، وتتنافس فيه مع زميلتها (ميس حمدان)، وهو أحد المواقع التي تشهد أحداثاً تؤثر على مسار حياة دليلة. يضيف أنه لم يخطط للظهور كممثل في رمضان الماضي، إنما طرح عليه فريق عمل المسلسل الفكرة كذلك المخرج محمد شاكر خضير الذي شجعه لخوض التجربة، لافتاً إلى أن المصادفة أدت دوراً في هذا المجال تماماً كما حصل في مسلسله «خاص جداً» بعد اعتذار أحد الممثلين عنه.روح المغامرةيعتبر الناقد نادر عدلي أن هذه الظاهرة موجودة منذ سنوات طويلة ولافتة في السينما أكثر من التلفزيون، لأن في الأخير تتيح الدراما تقديم حتى ولو دور صغير ترضي مقدمه، ويقول: «ثمة من تكون لديه روح المغامرة فيفعل ذلك، وثمة من يشعر برهبة في أن يتعرف الجمهور على شكله، وأشهر هؤلاء المخرجين الفرد هيتشكوك في السينما العالمية، ويوسف شاهين الذي كان يطل في مشهد أو اثنين أو ربما يكون بطلا للعمل بالكامل».يضيف: «لا توجد قاعدة لظهور صنّاع الدراما في المسلسلات، وأرى أن أداء هؤلاء عادي باستثناء هاني خليفة، لأنه معروف كصانع قبل أن يطل كممثل، في حين أن ظهور محمد أمين راضي مؤلف «العهد» لم يكن مميزاً لدرجة تجعله حديث الجمهور، أما تامر حبيب فأعتقد أنه يتفاءل بوجوده في أعماله كما سبق وشارك في شخصية أحد المرضى في مسلسل «خاص جداً» وهو من كتابته وبطولة يسرا، فضلا عن أنه وجه تلفزيوني محبوب».يتابع: «قد يحدث أن يطلب أحد الصنّاع المشاركة في مسلسله ليختبر ما إذا كان سيفلح في هذه التجربة أم لا، أو ربما رغبة في التصوير بأقصى سرعة في ظروف معينة، فيضطر المخرج أو المؤلف لتقديم المشهد أو المشاهد المطلوبة بنفسه».بدوره يشير الناقد سمير الجمل إلى أن المحك الأساسي في هذه المشاركات هو البصمة التي يتركها كل صانع في دوره، ويضيف: على سبيل المثال، شارك صحافيون في أعمال فنية نظراً إلى أسمائهم التي صنعتها أقلامهم، ولكن نسبة كبيرة من هذه المشاركات لم تضف إليهم وأثبتت عدم قدرتهم على الخروج من دائرة العمل الصحافي».يتابع: «أحياناً يقبل الصانع المشاركة في مسلسل يحمل توقيع صانع آخر مجاملة له، أو في مسلسله، وهنا يمكننا حسابه على هذه المشاركة، وأذكر أن أفضل المخرجين الذين قدموا أدواراً تمثيلية كان يوسف شاهين في تجارب عدة منها «باب الحديد». قياساً على هذه الحالة يمكن ذكر مخرجي المسرح الذين يجدون في بعض مشاركاتهم في المسرحيات مصدر دخل إضافي لهم، ويساعدهم في تحقيق شهرة أكبر، رغم أن أجورهم تعد قليلة». يوضح أن موقع هؤلاء الصنّاع خلف الكاميرا يجعل من الصعب الحكم عليهم كممثلين، لأن البعض يرجح كفة عملهم الأساسية على التمثيل، ضارباً مثلا بالمخرج يوسف شاهين الذي يصنف كمخرج وليس كممثل حتى لو أدى أدواراً كثيرة.في سياق آخر، يستغرب مشاركة المؤلفة إنجي علاء بالتمثيل في مسلسلات زوجها الفنان يوسف الشريف، مشيراً إلى أنها تشارك للمرة الثانية في مسلسل يؤدي بطولته يوسف الشريف بعد «اسم مؤقت»، ويتساءل: فجأة اكتشفت في نفسها موهبة التمثيل بعدما تزوجت من يوسف؟