وأخيراً تذكروا العشائر السورية!

نشر في 10-07-2015
آخر تحديث 10-07-2015 | 00:01
 صالح القلاب  الحمد لله أنه جاء الوقت ليتذكر المتحاربون والذين يريدون رسم ملامح هذه المنطقة أن هناك قبائل وعشائر لها مكانتها ودورها، وحقيقة أن هذا إن كان يفرح من جهة فإنه يحزن من جهة أخرى، إذْ إن المفترض، وقد تجاوزنا العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين، أننا انتقلنا إلى وضعية المجتمعات المدنية، مع الاحترام والتقدير لعشائرنا وقبائلنا، ومع الإشارة إلى أنني أنتمي إلى أكبر قبيلة أردنية.

 ولعل ما يدعو إلى الاستغراب فعلاً أن كل الوطن العربي بعشائره وقبائله لم يتسع لاستضافة العشائر السورية الكريمة فعلاً لتعقد اجتماعاً تتدارس فيه أوضاع وطنها، سورية، وتنسق في ما بينها لتواجه مجتمعة التحديات التي تتعرض لها مناطقها، مناطق التماس الحدودية السورية – التركية والسورية – العراقية، والمعروف أن تنظيم "داعش" يسيطر على جزء كبير من هذه المناطق الحساسة والاستراتيجية أيضاً ما دامت كل المناطق السورية باتت تعتبر مناطق استراتيجية.

 لا شك في أن زعماء وشيوخ العشائر والقبائل السورية يتمتعون بلياقات سياسية وكفاءات لا تقل إطلاقاً عما يتمتع به كبار أساتذة جامعاتنا وكبار قادة أحزابنا العربية، وفي تأثيرهم الفعال بمجتمعاتهم وبين أبناء عشائرهم وقبائلهم، وهذا لا ينطبق على سورية وحدها، بل على دول الوطن العربي كله، بما في ذلك لبنان الذي يظن البعض خطأً ألا عشائر ولا قبائل فيه.

لا اعتراض إطلاقاً على أن يذهب زعماء وشيوخ العشائر السورية إلى جنيف بحثاً عن حلول لمشاكل وطن تحمّل وطأة هذا النظام الاستبدادي الذي بقي جاثماً على صدره أربعين عاماً ويزيد، لكن الاعتراض هو ألا يجد هؤلاء في وطنهم العربي الكبير مكاناً يعقدون فيه اجتماعاتهم ليتباحثوا في ما بينهم ومع كل من له علاقة بما يجري في سورية للاتفاق ليس على مواجهة "داعش" فحسب، بل للإسراع أيضاً في التخلص من نظام لم يعد هناك في الكون كله من هو على شاكلته إلا نظام كوريا الشمالية.

 إننا بكل تأكيد مع أن تكون كل مجتمعاتنا مجتمعات مدنية، لكن وما دام أن العشيرة لا يزال لها دورها الفاعل، بخاصة أن سورية كما هي العراق وكما هي اليمن وأيضاً كما هي ليبيا، تمر بمنعطف تاريخي خطير بالفعل، فإنه لا بد من الاستفادة من هذا الدور إيجابياً وبعيداً عن بعض العادات والتقاليد التي من المفترض أن حركة التاريخ قد تجاوزتها وأصبحت نسياً منسياً.

ربما لا يعرف البعض أن هذا النظام، أي نظام الأسد الأب والابن الذي إذا أردنا قول الحقيقة فإنه يشكل امتداداً للنظام الذي بدأ في مارس عام 1963، تقصد أن يدمر المجتمع العشائري والقبلي في سورية تدميراً منهجياً كان عنوانه "تأميم" الأراضي الزراعية، بخاصة في منطقة "الجزيرة"، لكن البديل الذي قدمه لم يكن مجتمعاً مدنياً راقياً يستند إلى إرث الماضي ولا يذوب فيه، بل مجتمعاً مخابراتياً مفتتاً غابت عنه القيم النبيلة وحلَّ محلها الرياء والنفاق، وتأليه من هو في موقع المسؤولية ومداهنته واستجداء رضاه ولو على حساب الشرف والكرامة. لذا يجب أن يكون للعشائر والقبائل السورية دورها في إسقاط هذا النظام الاستبدادي الذي دمَّر سورية، وقلب قيم السوريين بدواً وحضراً وفلاحين رأساً على عقب، لكن وفي كل الحالات فإنه لا يجوز ألا يجد هؤلاء مكاناً يجتمعون فيه إلا جنيف بينما الوطن العربي وطنهم يمتد من المحيط إلى الخليج!

back to top