أوهام النمو وخفض الضرائب في أميركا

نشر في 25-07-2015
آخر تحديث 25-07-2015 | 00:01
علينا ألا نصدق أن في وسع جيب بوش تحقيق وعده بالنسبة إلى الـ4% من النمو ببساطة من خلال خفض الضرائب وتخفيف الإجراءات التنظيمية، وبالنسبة إلى الخطوات الأكثر راديكالية التي يقترحها جون كوشرين، مثل إنهاء المساعدات الزراعية وإنهاء تراخيص المهن، يتعين علينا الحصول على معلومات قبل أن نبدأ بالتقليص.
 بلومبرغ • يقول جيب بوش إنه إذا انتخب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية فسيعمل على تحقيق نمو مستدام في الناتج المحلي الإجمالي الأميركي يصل إلى 4 في المئة سنوياً، وأنا أشعر بدرجة كبيرة من الشك في ذلك، وأنا بكل تأكيد لست الوحيد في هذه النظرة، ولكن يوجد بعض المصدقين الحقيقيين الذين يتقبلون ذلك، وهم يظنون أننا إذا قمنا بإصلاحات هيكلية صحيحة فسوف يكون في وسعنا بلوغ ذلك الهدف، وعلى سبيل المثال فإن لدى جون كوشرين وهو اقتصادي في جامعة شيكاغو قائمة طويلة تتضمن مثل تلك الإصلاحات الهيكلية التي يظن أنها سوف تحقق الغاية المرجوة.

وقد يكون بعض تلك الآراء أفكاراً جيدة، وربما ينطوي البعض الآخر على نوعية سيئة، ولكن، على أي حال، فإن ما نفتقر إليه بشكل حقيقي يتمثل بوجود أي فكرة تتعلق بالتأثير الكمي لأي شكل من أشكال الإصلاح، وقد تنتج الفكرة الجيدة زيادة تصل إلى نقطة مئوية واحدة في النمو لثلاث سنوات أو 0.01 من النقطة المئوية من هبوط لمدة ثلاثة أشهر، وحقيقة الأمر أن الكثير من الظن المتعلق بقدرتنا على إصلاح طريقنا نحو نمو مستدام أعلى يتوقف على الثقة والأمل ولا شيء غير ذلك.

وتوجد حالات عديدة تحول فيها ذلك الأمل والثقة إلى وضع غير مبرر، وعلى سبيل المثال فإن ما يمثل ذلك هو تصنيف مجلس التبادل التشريعي الأميركي (أليكس ) وهو مركز تفكير يتكون من أعضاء في مجلس الشيوخ ومن ممثلين عن عدد من الشركات الكبرى في طائفة من الصناعات مثل الطاقة والمنتجات الصيدلانية، وتقوم بتشغيل عدد من الاقتصاديين من أمثال آرثر لافر المؤيد المشهور لاقتصاد الإمداد والمؤن.

ويقدم مجلس التبادل التشريعي الأميركي في كل سنة تقريراً يدعى "الولايات الغنية والولايات الفقيرة" الذي يصنف الولاية وفقاً لكيفية أساليبها إزاء صداقتها للعمل التجاري، ويزعم هذا التقرير أن السياسات التي يدعو إليها تقرر الولاية التي ستحقق نمواً وتلك التي لن تحققه. ويقول:

"لا يعرف التقرير تلك السياسات فقط بل يخلص أيضاً إلى استنتاجات متينة وراسخة مبنية على البحث حول الولاية المهيأة لتحقيق درجة أعلى من الازدهار الاقتصادي وتلك التي تعلق في مسار الاقتصاد الفاتر".

ويدرج التقرير 15 عاملاً يقول إنها تعزز وتحسن معدلات نمو الولاية، وتنتهي تلك الأفكار إلى فرض ضرائب أدنى ومستويات أقل من الإنفاق الحكومي والتنظيم الأخف حدة، وبكلمات أخرى تشابه تلك السياسات الأفكار التي يطرحها جون كوشرين، وتلك التي وعدنا بها أنصار الأسواق الحرة من الاقتصاديين، مؤكدين منذ الأزل أنها سوف تسهم في تحسين الاقتصاد، وهي وصفة بسيطة تدعو الى تقليص حجم الحكومة وخفض الضرائب من أجل تحقيق نمو اقتصادي.

ولكن السؤال هو: هل إن تلك السياسات ستنجح؟ تشير الأدلة التجريبية إلى أنها لن تحقق الهدف المنشود، وقد عمد الاقتصادي في جامعة ويسكونسن منزي تشن إلى تطبيق إحصائياته الهائلة على تأثير تصنيفات "أليكس" بالنسبة الى مستويات النمو الفعلية، وكانت النتائج مذهلة ولافتة، إذ لم تتوقع تلك التصنيفات نمو الولاية خلال سنة واحدة أو ثلاث سنوات أو ستة أعوام، وبكلمات أخرى إذا كانت سياسات "أليكس" ستجعل الولاية تنمو بقدر أسرع فهي إما ستحتاج إلى فترة أطول أو أن تأثيرها سيكون صغيراً بحيث لا يمكن قياسه.

وفي حقيقة الأمر عندما قام تشن بمراقبة عدد من التباينات الأخرى مثل المعدلات الحضرية والطقس والوصول إلى الطرق المائية تبين له وجود علاقة سلبية بين تصنيفات "أليكس" والنمو، وبكلمات أخرى إن الولايات التي يقول "أليكس" إنها تتمتع بقدر أعلى من السياسة الصديقة للعمل التجاري قد تنمو بمعدل أكثر بطئاً.

وتشن ليس الوحيد الذي قام بتحليل تصنيف "أليكس"، إذ إن مشروع السياسة في أيوا- وهو مركز تفكير منافس أصغر- أجرى تحليلاته الخاصة وتوصل إلى الاستنتاجات ذاتها التي توصل تشن إليها، كما أنه حقق في عوامل "أليكس" بصورة فردية، وتبين له أن أحداً من تلك العوامل لم يكن له علاقة كبيرة في ما يتعلق بالنمو.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو: ماذا عن المقاييس الأخرى المتعلقة بالسياسة الصديقة للعمل التجاري؟ إنها تعمل بصورة أفضل بدرجة طفيفة، وفي سنة 2013 قام الاقتصاديون جد كولكو وديفيد نيومارك وماريسول ميغا بتحليل 10 مؤشرات مختلفة لأجواء عمل الدولة وتوصلوا إلى وجود عاملين يمكنهما التنبؤ بدرجة أعلى من النمو، وهما:

1 – قوانين ضرائب الشركات الأكثر بساطة

2 – إنفاق أقل على الرعاية والتحويلات الأخرى.

 ولكن تأثيرات هذه السياسة على معدل النمو كان أقل تماماً

وهكذا فإن ما نشهده في الوقت الراهن هو أن ما يفترض أنها سياسة مؤيدة وصديقة للعمل التجاري ليست بالتأثير الفعال بالنسبة إلى تحقيق وتوليد معدلات نمو، صحيح أن هناك بعض الأشياء التي نستطيع القيام بها، وفي وسعنا، على سبيل المثال، القيام بتبسيط قوانين ضرائب الشركات، وإذا كنا لا نقلق على الضرر الاجتماعي بالنسبة الى السكان المعرضين يمكننا خفض نسبة دفعات التحويلات، ولكن حتى مثل هذه الخطوات ستسهم بقدر طفيف في معدلات النمو، ثم إن معظم الثمار المتدلية قد تم قطافها من قبل.

وبكلمات أخرى، علينا ألا نصدق أن في وسع جيب بوش تحقيق وعده بالنسبة إلى الـ4 في المئة من النمو ببساطة من خلال خفض الضرائب وتخفيف الإجراءات التنظيمية، وبالنسبة إلى الخطوات الأكثر راديكالية التي يقترحها جون كوشرين، مثل إنهاء المساعدات الزراعية وإنهاء تراخيص المهن، يتعين علينا الحصول على معلومات قبل أن نبدأ بالتقليص، ويبدو أنه من المحتمل أن يطرح العديد من سياسات الأسواق الحرة الراديكالية الكثير من الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية في مقابل تقديم قدر ضئيل جداً من النمو الفعلي.

* Noah Smith

back to top